^ بادئ ذي بدء لا بد من التأكيد على أن مملكة البحرين قد حققت نجاحاً كبيراً لا يقدر بثمن بتوقيع الاتفاقية التاريخية مع رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال آل سعود، وهو ليس مجرد نجاح عادي مثل كل النجاحات التي حققتها البحرين في تاريخها الطويل الزاخر بالإنجازات، بل هو انتصار حقيقي إذا جاز لي التعبير، لأن المملكة تعيش في ظل حصار إعلامي كبير لم تشهده من قبل، كما لم تشهده أي دولة في وطننا العربي بهذا الحجم من الاستهداف إقليمياً ودولياً، ومن هنا يُنظر لتوقيع هذه الاتفاقية التي بموجبها تستضيف المنامة هذه الشبكة الإعلامية الضخمة والتي تتكون من قناة (العرب) المزمع بثها في الأول من العام المقبل ومجموعة قنوات (روتانا) على أنها انتصار من شأنه أن يسهم في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن البحرين وعن المملكة العربية السعودية والمنطقة الخليجية عموماً، كما تسهم هذه الخطوة في فك الحصار الإعلامي على البحرين الذي استمر حوالي عامين ومازال. الكل يعلم أن هذه الجزيرة قد شهدت مشروعاً إصلاحياً كبيراً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى؛ إذ حقق طفرة كبيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. إلخ، لكن للأسف لم تحظَ هذه الإنجازات الكبيرة بالتفاعل الإعلامي الذي يرسّخ في المجتمع، ويتم التداول حول هذه الطفرة للمزيد من الفعل الإيجابي، وذلك بإقناع الناس أن ما تحقق يعتبر قفزة طويلة في طريق النهضة والتطور، بحيث يتجه المجتمع البحريني نحو التنمية وتعضيد الإنجازات والعض عليها بالنواجز وفي الوقوف مع القيادة في تحقيق كل المشاريع الوطنية الكبيرة التي تسهم في ارتفاع وزيادة الناتج الوطني وما يرتقي بمعيشة المواطنين في كافة المجالات. المراقب من داخل البحرين يدرك أهمية خطوة احتضان المنامة لأكبر شبكة إعلامية عربية في هذا الوقت بالذات، وقد أكدت سنوات العقد الأول من الألفية الثالثة الأهمية الاستراتيجية لوجود المواعين الإعلامية والفضائية في حياتنا وتأثيرها علينا سلباً أو إيجاباً، ولا أسدل إلا بوجود قناة (الجزيرة) في الدوحة والتي لولاها ما كانت قطر تنتشر كل هذا الانتشار في العالم، هذا برغم أن دولة قطر الشقيقة لم تحقق ما حققته مملكة البحرين لشعبها من تقدم ومن تطور سياسي كبير بكل المقاييس، ومن زيادة في الوعي والمعرفة، ومن ازدهار في الكثير من المجالات التي لا تحصى ومن أهمها التعليم والصحة وفي مجال الحكومة الإلكترونية وفي المشاركة الشعبية في العمل البلدي والسياسي، وقد أصبحت إنجازات شامخة تُرى بالعين ويلمسها المواطن والمقيم كعلامات فارقة في التاريخ البحريني، ومن أهم المجالات في نظري التي تقدمت فيها البحرين بالمقارنة بشقيقتها دولة قطر هي الحريات الإعلامية والسياسية ولا أحد يشكك في ذلك. ورأينا في البحرين انتقاد الحكومة وكبار قادتها في الصحف السيارة وفي المنتديات (الديوانيات)، كما تطالعنا تقارير الرقابة المالية الذي ينتقد أداء المؤسسات الحكومية بلا استثناء من انتقاد أعضاء في العائلة المالكة الكريمة من خلال مواقعهم التنفيذية وهذا ما لم يُوجد في قطر، ولا باقي الدول المحيطة بالبحرين، إذن قناة الجزيرة لم تضف لدولة قطر شيئاً غير أن صدرّتها للعالم وجعلتها في مصاف الدول التي تُذكر في نشرات الأخبار وتتعامل معها الدول الكبرى اقتصادياً، لكن وجود (الجزيرة) لم تسهم في الشأن المحلي الداخلي ذلك لأن استراتيجيتها الإعلامية تمنع التطرق للشأن المحلي القطري. وفي البحرين كانت دائماً المشكلة في الإعلام الداخلي لحد ما لكن كانت المشكلة الأكبر في الإعلام الخارجي، وكانت الدولة ومازالت تجتهد ومؤسساتها والمجتمع المدني في خلق أنموذج في التنمية والنهضة الإنسانية والعمرانية لكن كل هذه الجهود لا يتم التعامل معها إعلامياً بالطريقة التي تواكب أو توازي مقدار الحجم الذي بذل فيها، كذلك هذه الإنجازات لم ترَ النور الفضائي بحيث تترسخ لدى المشاهدين في الخارج عِظم ناتج المشروع الإصلاحي الكبير الذي حدث في البحرين وتأثيره على مستوى البحرين في ارتفاع المراتب التي تنالها المملكة عالمياً والتي شهدت بها المنظمات الدولية الاقتصادية الدولية في الحريات الاقتصادية والشفافية الدولية، ومعدلات النمو..إلخ ونحن كصحافيين شهود على ذلك بل كنا في قلب الحدث. ومازلت أتذكر مناقشة (مشروع) إنشاء حلبة البحرين الدولية لسباقات السرعة، وما تم تداوله في هذا الشأن حتى وصل للبرلمان وللمؤسسات الاقتصادية، وكنت لصيق صلة بهذا الأمر وتم الموافقة عليه من الجهات التشريعية، حتى تم وضع حجر الأساس، افتتاح الحلبة رسمياً وجلستنا مع سمو ولي العهد كإعلاميين وصحافيين، حتى شهدنا السباق الأول في البحرين بل كان هو الأول في منطقة الشرق الأوسط وكنا مع ضيوف البحرين الذين اكتظت بهم المنامة وفنادقها ورأينا في وجوههم الفرحة والسعادة والنشوة بل والدهشة. نعم مازلت أتذكر ذلك تماماً كميلاد ابني الأول منذ أن كان في بطن أمه وميلاده وفي حضن أمه وهو يضحك ويتعلم المشي ثم وهو في الروضة، وتعاقبت المراحل حتى أصبح في سن الشباب، كانت تلك بالضبط قصة حلبة البحرين الدولية منذ أن كانت (مشروع) إلى أن أصبحت حقيقة على الأرض واحدة من أميز حلبات السباقات في العالم، ويمكننا أن نقيس على ذلك كل المشروعات التنموية الكبرى التي عشناها كصحافيين وإعلاميين ومن ضمنها (مشروع جزيرة (أمواج وتالا) كنت شاهد عيان عندما وضع حجر أساسها سمو ولي العهد إلى أن أصبحت اليوم جُزراً تعج بالحركة وبالزوار والضيوف والقاطنين فيها من أجمل مناطق البحرين الجديدة التي كانت حلم لدى القيادة. وأخلص من ذكر كُل هذه القصص إلى أهمية دور الإعلام الفضائي في تكريس العمل الوطني النهضوي وإبراز الإمكانات الهائلة في كل بلد بل والتأكيد على مضي الإرادة البشرية في خلق واقع جديد في حياة الناس ينهض بهم ويرتقي بهم إلى مصاف الدول المتقدمة تماماً كانت تلك هي الطفرة الكبيرة التي حدثت في هذه الجزيرة المعطاءة، والآن تشهد مملكة البحرين أكبر طفرة في تاريخها الحديث، وبرغم الأحداث المؤسفة إلا أن ذلك لم يثنِ الدولة من مواصلة إنشاء البنى التحتية خاصة في مجال الطرق والجسور والأنفاق، والسواق الذين يمرون يومياً بشارع الفاتح وعند تقاطع ميناء سلمان يعيشون لحظات إنشاء هذه الطُرق التي من شأنها أن تسهل على المواطنين الحركة من وإلى المكان الذي ينشدون. وخلاصة القول إن وجود قناة كبيرة بحجم (العرب) الفضائية في البحرين من شأنه أن يُغير المُعادلة، بحيث يلفت أنظار العالم كله للجهود الكبيرة والمبذولة في هذه الجزيرة من تنمية حقيقية على كافة الصُعد، كما يُمكن المنامة من صد كل الهجمات الفضائية التي تريد تشويه الحقائق، وبما يُمكن شعوب العالم من معرفة البحرين قيادة وشعباً وتاريخاً وحضارةً ضاربة في عمق التاريخ، حيث الطيبة والتسامح والتقاليد الأصيلة وما تزخر به البحرين من عمق إنساني ومعرفي فريد من التمازج بين الجذور المختلفة، وشعب طيب الأعراق وقيادة حكيمة عفيفة اللسان، كبيرة القلب والوجدان.
ماذا يعني اختيار الوليد بن طلال المنامة مقراً لشبكاته الإعـلاميـة؟
28 مايو 2012