^  من يطالب بالحقوق عليه أولاً ألا ينسى بأنه ملزم بواجبات أيضاً، إذ لا يعقل بأن أخل بواجباتي تجاه الوطن وأقوم بتجاوز كل ثوابته وأعرافه وقوانينه ثم أقول بأن الوطن “ملزم” أو “مجبور” أن يحقق لي مطالباتي وأن يلبي حقوقي. مفهوم المواطنة محدد بأطر واضحة، فثمة فارق شاسع بين المواطن الصالح ونقيضه الطالح، فارق بين من يبني ويعمر وبين من يهدم ويخرب. كلنا في البحرين لدينا مطالبات، ولدينا هموم، ولدينا مشاكل، ومن واجبنا أن نطالب الدولة بالإصلاح وأن تواصل التعمير والبناء بما يخدمنا ويخدم الأجيال القادمة، فالسكوت عن الأخطاء مشاركة فيها، لكن تشخصيها ووضع اليد على الجرح لا يكون إلا بأساليب من خلالها يمكن إصلاح هذه الأخطاء. فارق كبير بين أن تطالب بحقك بحضارية وعبر الوسائل المشروعة وحسب القوانين وبناء على ما تمتلكه من صلاحيات ومساحة واسعة من الحريات، وبين أن تحول المطالبات إلى تصرفات خاطئة تدخل في إطار مفاهيم الإرهاب والتخريب. لدينا قنوات شرعية تسهل هذه العملية، بل وتتضمن تشريعات وقوانين تكفل حق المواطن بمحاسبة الدولة ومسؤوليها، بل وتمنحهم صلاحية الاستجواب والمساءلة، إضافة إلى إعلام حر مفتوح يمكن فيه الحديث بحرية عن المشاكل والمعوقات التي تواجه المواطن. لكن المشكلة تكمن في القفز على كل ذلك وتحويل المطالبة التي هي من حقوق المواطن، إلى أسلوب خاطئ في التعاطي من خلال عدم احترام كل هذه الأطر والقفز عليها، الكارثة أن نحول الديمقراطية إلى مرادف للفوضى. في دولة مؤسسات وقانون لا يمكن من حيث المبدأ أن تلغي كل المؤسسات وتتجاهل الدستور والقانون وتقوم في المقابل بإرساء قانونك الخاص، فأي بلد في العالم لم يكن ولن يكون حكراً لأشخاص أو فئات تعمل فيه بحسب ما تريد، تطالب بالقانون وتدعو لتطبيقه حين يخدمها، وتهين القانون ولا تحترمه حينما تقوم بخرقه. المواطنة تعني الانتماء للأرض ولا شيء آخر، تعني احترام كل ثوابته واحترام قانونه وضوابطه. من يطالب بدولة مدنية عليه أن يدرك بأن الدولة المدنية موجودة أصلاً في البحرين من خلال تعدد الأطياف وتنوع الثقافات وتباين الناس، في حين أن التهديد الحقيقي يكمن فيمن يطرح هذا المفهوم كـ«شعار» هو لا يقوى على تطبيقه كواقع، من يقول بأنه يريد دولة مدنية لكنه لا يقوى على الاعتراف بالآخرين، ولا يريد أن يستمع لبقية المكونات، ولا يريد الاعتراف بأنه ليس سوى طيف من أطياف عديدة منها يتكون المجتمع، ولا يريد الاعتراف أولاً وأخيراً بأنه يرتكب الأخطاء. البحرين لم تكن يوماً مجتمعا إثنياً أو عرقياً، بل كانت وما زالت بلداً حاضنا للجميع لا تفرقة ولا تباين بين مكوناته، لكن المشكلة بدأت حينما جاء من خلط الأمور ومن رأى في التقسيم وتشرذم أبناء الوطن سبيلاً للوصول إلى غاياته وفق مبدأ “فرق تسد”. اليوم الناس هم أكبر المتضررين خاصة في حياتهم اليومية، اللعب في الأمن والاستهتار باستقرار البلد مسألة يدفع ضريبتها الجميع، سواء من هم ضد المحاولات الانقلابية أو من تخندقوا في البداية مع أطياف كانت ومازالت وستظل تعمل لأجل مصلحتها الخاصة مستخدمة البشر كوسيلة للصعود على أكتافهم. أهل القرى متضررون مما يحصل في محيطهم من تخريب وإرهاب، هم بين المطرقة والسندان، إما أن يسكتوا ويسلموا على أنفسهم وممتلكاتهم بالتالي يدفعون ضريبة المعاناة اليومية بسبب الأفعال الإرهابية التي تقع في محيطهم، أو أن يتحدثوا ويرفضوا ما يحصل والنتيجة تكمن في تحول الإرهاب الموجه للدولة إليهم واعتبارهم منشقين وخونة إلى ذلك من الأوصاف. البحريني يظل مواطناً بسيطاً طموحاته معيشية بحتة يريد أن يضمن حياة كريمة هو ومن يعيل، مطالباته الحقيقية ليست مرتبطة بمكاسب سياسية أو أجندات تخدم صعود شخوص للواجهة السياسية، هو يريد أن يعيش، يريد تحسين الخدمات الموجهة لديه، يريد حلولاً إسكانية، يريد وظائف كريمة، يريد رفعاً لسقف راتبه وتوفير أوجه الحياة الصحية. ليست البحرين دولة خالية من القصور، بل هي دولة ناهضة تعمل يومياً من أجل التحسين والإصلاح والتطوير، لكن حينما يتم جر البلد جراً بأفعال فئات للالتهاء بأمور سياسية لها ويلاتها على مستوى الأمن والاستقرار، فإن عجلة التنمية ستتوقف، سيستمر الشرخ المجتمعي، وستتواصل عملية “عزلة” الآخر عن أخيه الآخر، سنظل في دوامة لن تنتهي، وإن انتهت يوماً فإن الذهن سيتذكر من قادونا إلى هذا الوضع المأسوف عليه. الشعوب هي من تدفع الضريبة في أي مواجهات سياسية أو محاولات تقودها أطياف تبنيها على تغييب الأمن وسلب الناس من حقهم في العيش بسلام. المواطن هو من يدفع الثمن، هو من يعاني، سواء الرافضين لما يحصل أو المغرر بهم أو الذين الزموا بمناهضة بلدهم وباتوا يحرقونه كل يوم، هو الضحية، وسيكون ألمه أكبر وخيبته أعظم حينما تنتهي هذه الأمور بصفقات وتفاهمات، إذ حينها كل الأطراف ستخرج بشيء ما، إلا المواطن الذي سيكون قد عايش معاناة يومية في حياته أرهقته ذهنياً وجسدياً ومالياً. ندعو الله أن يحفظ البحرين وأهلها وأن ينعم عليها بعودة الاستقرار وأن تعود كما كانت وأفضل.