^ برز مصطلح “السلمية” خلال الفترة القليلة الماضية ضمن الحراك المعارض للسلطة في البلدان العربية التي شهدت انتفاضات واحتجاجات ضد الديكتاتورية والفساد، وهو مفهوم بديل للمفاهيم الثورية التي سادت خلال عقود طويلة من الزمان وكان يسيطر فيه اليسار الثوري على الحراك المعارض، ضمن مفهوم العنف الثوري الذي كان من السهل التصدي له باعتباره “عنفاً” و«إرهاباً”. مفهوم السلمية تم تسويقه واختباره في الثورات الملونة في عدد من بلدان أوروبا الشرقية، رعته ودربت عليه الدوائر الغربية جحافل الشباب الثائرين على ركاكة وبيروقراطية النظام الاشتراكي الجامد بجوار شعوب دول أوروبا الغربية المتمتعة بالحرية والرفاهية معاً. وقد تم تنفيذ تلك الحرب على بقايا النظم الاشتراكية لتحرير أوروبا من بقاياه، في سياق البرامج التي كانت تنفذها المعاهد والمنظمات الأجنبية -خصوصاً الأمريكية منها- وذلك لخلخلة الأنظمة القائمة بأقل الأثمان ودون أن يكون التدخل الخارجي حالة تلبس يمكن التصدي لها وإدانتها. مفهوم السلمية ضمن “باكج” من الأفكار والمفاهيم التي تم تدريب جماعات معارضة عليها لعدة سنوات -في إطار الرؤية الأمريكية لنشر الديمقراطية- من خلال بناء المقاومة “للسلطات المحلية الشرعية القائمة” وفرض بدائل “بالطرق السلمية” بتدريبها على “السلمية”، ضمن جدول “المصطلحات الجديدة”، كـ«المتظاهرين السلميين” و«الاحتجاجات السلمية”، و«المطالبين بالإصلاحات”، هذا بغض النظر إن كانت هذه التظاهرات قانونية أو غير قانونية، مرخصة أو غير مرخصة، المهم أن تكون سلمية وترفع شعارات التغيير الديمقراطي، تلك هي القاعدة الجديدة “الحق في التظاهر السلمي” بغض النظر عن القوانين والدساتير، فقد أصبح مفتاح السر هو”السلمية” وليس القانونية والشرعية. بغض النظر عن التفاصيل والخلفيات وآليات استخدام هذه الحكاية لزعزعة الأنظمة القائمة ولزعزعة البناء الاجتماعي ومدى شرعية هذا الفعل المقاد من الخارج، فإن “هذه السلمية” في حقيقتها لا علاقة لها بالسلمية الفعلية، فهي مجرد قشرة خارجية لعنف فعلي يمارس يومياً على الأرض (ويكفي النظر إلى ساحات الربيع العربي وما يحدث فيها لنتأكد أن هذه السلمية انتهت ولم يعد لها وجود. فالعنف المبرمج على الأرض يتم تحريكه خارج الواجهة السياسية، ومن الأدلة على ذلك ما يلي: - إن هذه السلمية مصحوبة حالياً بقطع الطريق والاعتداء على الناس. - إن هذه السلمية لها تأثير مباشر وعنيف على حياة الناس وعلى السير الطبيعي للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية. - إن هذه السلمية تحولت في بعض الحالات إلى اعتداء مبرمج على الدولة ومؤسساتها. - إن هذه السلمية تحولت في كثير من الأحيان إلى اعتداء على السلامة الجسدية للمواطنين والمقيمين ورجال الأمن. - إن هذه السلمية قد تحولت إلى أعمال إرهابية وتفجيرات مخطط لها بشكل منهجي ويومي. - إن هذه السلمية قائمة على المخادعة والمخاتلة بين القول والفعل. - إن هذه السلمية لم تعد تهتم بالشأن الاقتصادي وأثار الأنشطة الفوضوية على الاستثمار وعلى أرزاق الناس. - إن هذه السلمية تترجم بطريقة تبدو حديثة، ولكن حداثتها ليست إلا غلافاً خارجياً يستبطن التشدد والتزمت، وغالباً ما كان الدعاة الدينيون الطائفيون يمارسون التوجيه الديني الذي في ظاهره الرحمة وفي باطنه التحريض على العنف، وقد عايشنا ومازلنا نعايش نماذج من هذه اللعبة. ^ همسات.. المعهد الديمقراطي القومي الأمريكي للشؤون الدولية NDI تخصصه الأساسي تنصيب حكومات عميلة، في موقعه الإلكتروني يلخص المعهد مهامه بكلمات جميلة منمقة لاشيء فيها يثير الشك “مشاركة المواطنين في العمليات السياسية الجارية في بلادهم”. كيف يعمل هذا المعهد؟ المرحلة الأولى: استئجار وتدريب كادر من المنسقين المحليين الميدانيين، من بين الجمعيات والمنظمات، تشكيل مجموعات نقاش تتكون من 10-15 مواطناً، وتستمر العملية 6 أشهر تقريباً. المرحلة الثانية: تعليم المواطنين مبادئ الديمقراطية وآلياتها، وكيفية تشكيل المؤسسات في البلاد، وجمع المعلومات عن المؤسسات التي أنشئت أو الموجودة في البلاد وتحليلها (عمل تجسسي بحت). المرحلة الثالثة: تفعيل المواطنين والبدء بالتحرك نحو الفعل التنظيمي الجماعي لمعالجة التحديات المشتركة في المجتمع، ويساعد المنتدى المدني المواطنين في هذه النشاطات بتطوير خطط للتأثير على أصحاب القرار. المرحلة الرابعة: تركز على التنظيم والدعوة، وتتضمن كسب التنظيمات الأخرى والحلفاء المحتملين، وتجنيد المتطوعين واستهداف صانعي القرار وتحريك المواطنين للتظاهر”السلمي حتى تحقيق المطالب”.! وعلى القارئ أن يقارن بين المكتوب في البروتوكول أعلاه وبين ما يحدث على الأرض!!
«السلمية».. لعبة لغوية أم غوايـــــــــة سياسيـــة؟!
28 مايو 2012