^ كان المواطن البحريني منذ قديم الزمان مضرباً للأمثال في كل سلوك إيجابي، بدءًا من وعيه الكبير وانتهاء بممارساته المُبهرة، وبين هذا وذاك يتحمَّل كامل المسؤولية الأخلاقية والقانونية لكثير من تصرفاته المتوازنة. ربما حدث كثير من التراخي في منظومة القيم عند الإنسان البحريني، ولأسباب كثيرة أصاب وعيه خلل بارز، أفضى ذلك إلى تراجع نسبة الوعي عنده، وتحوّله نحو قيم سلبية أخرى، حلَّتْ محل تلك القيم التي كانت أبرز عناوين شخصية المواطن البحريني. من المؤكد أن للعولمة المتوحشة دور بارز في تغيير نمط أسلوب تفكيرنا وسلوكنا، حتى غدا (الاستعجال) المفرط سمة من سمات المجتمع في البحرين، ولأننا أردنا الحصول على كل شيء بطريقة سريعة على وزن (الوجبات السريعة)، نهشتْ منَّا تلك السرعة القاتلة العمياء الكثير من أركان منظومتنا القيمية، فأصبحنا في مراتب متدنية مقارنة بالشعوب المتحضرة عبر عدم التزامنا بالقانون والتمسك بروحه. إن كل هذه الديباجة من أجل أن نتحدث عن أمر في غاية الأهمية، وهو دليل صارخ على فقدان المكانة المرموقة في مجال التراجع الملحوظ في منظومة القيم، ألا وهو عدم احترام القانون المتعلق بالسير (المرور). بالأمس لم يكن أي سائق بحريني يجرؤ على مخالفة قانون المرور، ليس تحسباً لمخالفة مادية فحسب، وإنما خوفاً من أن يسقط أخلاقياً ومجتمعياً، لأنه لو فكر في مخالفة معينة، فإن المجتمع لن يرحمه، بل سيظهر له امتعاضه وسخطه الشديد جراء سلوكه غير السوي تجاه الشارع، وبالتالي سيحاسبه حساباً عسيراً. بالأمس لو تجاوز البحريني إشارة (قف) أو قطع الإشارة الضوئية الحمراء، فإن من سيقوم بملاحقته قبل رجل المرور هو رجل الشارع العادي، لأن ذلك السلوك الخاطئ يعتبر كبيرة من الكبائر عند مجتمعنا. هذه النظرة المتقدمة في وعي ذلك الإنسان جعل الشخص الذي يفكر (مجرد التفكير) في أن يتجاوز القانون محلاً للتندر والسخرية والزجر، لأن منظومة القيم والقانون حاضرة في كل شارع وزقاق. اليوم، وقبل أن تعبر الشارع، عند الإشارة الضوئية الخضراء تحديداً، تتلفت يمنة ويسرى مخافة أن يخرج عليك وأنت في مسارك سائق متهور فيصدمك، رغم معرفته بقسوة المخالفة من الناحية المادية، ووجود كاميرات مراقبة محكمة تصوِّر مخالفته، إلا أنه في نهاية المطاف لم يعد يكترث بكل ذلك!!. إن الأرقام أصدق أنباء من الكتب، فالإحصائيات الأخيرة الصادرة من الإدارة العامة للمرور في البحرين توضِّح حجم وطبيعة المخالفات التي يرتكبها المواطن البحريني، ذلك الإنسان الذي عُرف عنه احترامه لقانون المرور وكل القوانين الأخرى. تقول الإحصائيات إن عدد المخالفات في الربع الأول من العام الحالي 2012، أي (لثلاثة أشهر فقط) في البحرين، بلغتْ (7938) مخالفة، وهذا الرقم مخيف جداً إذا ما وضعناه بجانب المنظومة القيمية التي نشأ عليها الإنسان البحريني عبر تاريخه المشرق الطويل، ومقارنة بعدد السكان، سيكون رقماً صعباً ومذهلاً. هذه الأرقام تعطينا مؤشراً خطيراً للغاية في ضياع السمعة الحسنة التي حافظ عليها الأوائل. إن الشعب البحريني اليوم مطالب باسترجاع قيمه التي سحقتها عجلة الحياة والعولمة، وأن يدرك خطورة كل التراجعات في تلك القيم، أما بخصوص قانون السير، فليعلم من يريد أن يخالف أنظمة المرور أننا كلنا شركاء في الطريق، وعليه من الواجب أن يحترمنا قبل أن يحترم الشوارع والإشارات، رغم أن احترامهم يعدُّ مقدمة لاحترامنا، واحترام أرواحنا وأجسادنا وأطفالنا وكل من نحب أن يعود لنا سالماً.
لماذا تراجعت عندنا منظومة القيم؟.. الطريق نموذجاً
28 مايو 2012