غاب الطاغية "حسني مبارك" وأعوانه عن سدة الحكم في مصر العروبة وما غابت سياساته، ثورة اشتعلت جذورها في مصر لتسقط أشد الطغاة قسوة وأكثرهم ميلًا وانسياقًا للاحتلال الإسرائيلي بكل ما يخدم سياساته، حصار فرض على قطاع غزة عقوبة لشعب أدلى بصوته واختار من يمثله، سور فولاذي يفصلنا عن أشقائنا شيده الطاغية تحت الأرض وفوقها وكأنه يفصل بين برلين الشرقية والغربية في زمن فات وانتهت به أسوار العزل إلا بدولة الاحتلال وعنصريتها ومن حذا حذوها من أعوانه. منع عنا الغذاء والدواء، ومنعت عنا مقومات الحياة وسجنا بين سجان وسجان وما لنا من مفر، فكان الاحتلال من شمالنا والطاغية من جنوبنا وبحرنا محاصر بكل أنواع الأسلحة التي تمنعنا حتى من اقتناص غذائنا مما خلق الله من خيرات في بحرنا. هو الظلم والجبروت بعينه وما من ساكن يتحرك من دول عربية وإسلامية بغير نداءات لا تجد طريقها إلى آذان طواغيت العصر، ومجتمع دولي أخرس عن الحق طليق اللسان على الباطل والظلم، يجد لنفسه لديهم ألف مبرر ومبرر لقتل الأبرياء أطفال كانوا أو نساء، رجال كانوا أو شيوخ فجميعهم عند القتل سواء. مر عام ونيف عن دحر الطاغية " حسني مبارك" وسقوط نظامه الذي ذهب ضحيته المئات من أبناء غزة حينما شاركت مصر الاحتلال بحصاره لغزة عبر سنوات عجاف طالت على حصار جائر في زمن تدعي به الأمم الحضارة والإنسانية الجوفاء، شعارات مغلفة لقتل رحيم وغير رحيم، لشعب كل ما أراده هو العيش بكرامة وعزة، والتحرر من براثين محتل غاشم. حصار مضروب على هذا الشعب لازال مستمرًا، واليوم باتت صور هذا الحصار حاضرة في غزة في شوارعها بمنازلها، بمستشفياتها، وبكل مظاهر الحياة أو شبه الحياة فيها، كهرباء لا يراها الشعب الفلسطيني إلا ساعات محدودة لا تكفي لاستمرار حياة كريمة كأي إنسان على وجه البسيطة، مرضى انتقلوا إلى الرفيق الأعلى جراء عدم توفير الكهرباء اللازمة للأجهزة التي تبقيهم على قيد الحياة، ووقود يصطف أبناء القطاع طوابير لا ترى لها نهاية عله يفوز بشيء منه ليضيء لأبنائه ليلة ظلماء في شتاء قارص البرودة، لا يجد معه الفلسطيني سبيلًا لليلة دافئة بينما المحتل ينعم بالغاز المصري العربي بأبخس الأثمان، لتبقى لياليه مضيئة دافئة والحياة لديه تستمر بنهج متطور ليزداد رفاهية وتقدم وازدهار. أليس في ذلك ألف سؤال؟ إن مصر العروبة قادرة على تغيير وجه المنطقة، وهذا ما كنا نأمله كما كان يأمله أبناؤها الأحرار الثوار خصوصا بعد أن نال الإسلاميون نصيب الأسد من مقاعد مجلس الشعب في أول انتخابات حرة ديمقراطية تشهدها مصر العروبة منذ عقود، عقدنا الآمال وبدئنا نتنفس الصعداء حينما غاب الفرعون الأكبر عن عرش مصر، واعتقدنا أن الحصار قد سقط مع سقوطه فلا مجال ولا معنى لبقائنا محاصرين من قبل دولة شقيقة جارة لنا، مظاهر عديدة وإشارات بدت تشير إلى تغيرات جذرية قد تحدث تجاه أبناء الشعب الفلسطيني عامة وأبناء قطاع غزة خاصة، احتياجات أساسية ظننا أنها ستصبح بمتناول أيدينا كأي إنسان ينال حقوقه من أبناء جلدته أبناء عروبتنا وقوميتنا وديانتناّ ! مصر العروبة هي قوة إقليمية وحاضنة عربية ضامنة للتوازن السياسي بالمنطقة العربية بأسرها، فقد غابت وتغيبت بفعل سياسة طاغية تساوق مع المحتل وبات رهينة لسياساته العدائية تجاه الفلسطينيين بشكل خاص والعرب والمسلمين بشكل عام، وترك للمحتل الملعب فارغا للتلاعب به وبنا وبقضيتنا كيفما شاء، تارة في تهويد القدس وطمس معالمها الإسلامية والقضاء على تاريخها وهويتها، وتارة أخرى في شن الحروب الهوجاء ضد شعب أعزل فيقتل أبنائه ويهدم بنيانه ويرمل نساءه وييتم أطفاله ويحرق بالفسفور الأبيض كل شيء ينبض على الأرض الفلسطينية دون وجل من تدخل عربي، خاصة من مصر التي تقع غزة على بوابتها ويقتل أبناؤها على مسمع ومرأى من يقفون على حدودها من أبناء مصر الأوفياء حينما أغلقوا علينا المعبر لنواجه مصيرنا من كل حتف وجانب. مصر اليوم ليست مصر الأمس، على الأقل هذا ما ينبغي أن يكون، مصر اليوم عليها أن تعيد حسابات سياساتها البالية المتبعة إبان نظام الطاغية "حسني مبارك"، مصر اليوم حصن العروبة وحامية الوطن من عبث العابثين من أطماع محتل لا تتوقف أطماعه على حدود أرض فلسطين، إن مصر عليها مسؤولية سياسية وأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه قطاع غزة بشكل خاص، فحينما سقط القطاع بأيدي الاحتلال الغاشم في حرب حزيران لعام 1967 كان قطاع غزة تحت سيطرة الحاكم العسكري المصري، وبالتالي فإن القطاع يرتبط بمصر ارتباطا مميزا بكل تفاصيله لعلاقة شعبين تربطهما علاقة الجوار والقومية والديانة، وعلاقة النسب المتزايدة بين أبناء الشعبين، فعلاقتنا مع الشعب المصري فريدة في ارتباطاتها الوثيقة. إنه من العار أن يبقى الشعب الفلسطيني رهينة سياسية للضغط على طرف ما لخضوعه لإملاءات تفرضها الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي كي تنساق إلى مشاريع التسوية التي قبلتها فئة فلسطينية لا تمثل نبض الشارع الفلسطيني، لسنا سجناء سياسيين لنقمع ونعذب فيمنع عنا الوقود ونحرم من أبسط متطلبات الحياة "الكهرباء"، فلا يعقل أن يضخ الغاز المصري إلى دولة الاحتلال بينما محطة توليد الكهرباء الفلسطينية لا تبعد عن حدودنا مع مصر العروبة سوى بضع كيلو مترات معدودة. لم يعد مقنعا ما يسوقه "المجلس العسكري" في مصر العروبة من أسباب تبقي الحصار الفلسطيني قائما إلى يومنا هذا، فما عاد مقبولا أن يستمر العمل بمعبر رفح بنفس السياسة المتبعة في الزمن السابق لأجهزة المخابرات المصرية، مما اضطر مدير معابر قطاع غزة للاستقالة احتجاجا على المعاملة غير الكريمة لأبناء القطاع المغادر إلى مصر أو المرور عبر أراضيها إلى العالم الخارجي وهي بوابته الوحيدة. كفى يا مصر العروبة فلسنا نعاجا تساق إلى حظيرتها وتغلق عليها الأبواب ويمنع عنها الدواء والغذاء لفرض واقع سياسي ترضى عنه الصهيو- أمريكية وسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، كفى يا مصر العروبة الاستمرار بالتعامل معنا على أساس مخابراتي كما كان معمولا به بزمن الطاغية. لم يعد هناك أعذار لمن يحكم مصر ولثوارها الأشراف من بقاء الحال على ما هو عليه، واستمرار القطاع محاصرا واتخاذ أبنائه رهائن سياسيين، مصر العروبة قادرة على إنهاء حصار ظالم بلا مقدمات ولا اتباع لسلسلة من الإجراءات المعقدة لإنهاء هذا الحصار، فمصر قوتنا وعمقنا الاستراتيجي كما نحن حماة بوابتها من أطماع محتل يسعى دائما لخلق التوتر على الحدود مع مصر، نحن أبناء فلسطين و العروبة ندرك أن لمصر دورها الريادي في الحفاظ على القضية الفلسطينية من عبث العابثين وقدرتها على صيانة حقوقنا وثوابتنا المشروعة. يا مصر العروبة كفى غربة عنا فقد حان الوقت لعودتك إلى ما كنت عليه من مكانة سياسية واقتصادية في الوطن العربي، كفى اغترابا عن قوميتك وعن صالح قضيتك التي تبنيتها وناضل أبنائك لأجلها وما بخلوا عنها بدمائهم وأرواحهم، فلأجل هذه الدماء التي ارتقت من أجل حرية فلسطين، عليك مصر العودة إلى ريادتك السياسية وردع المحتل وكل طامع في أي بقعة من تراب وطننا العربي الكبير، يا مصر ويا حكامها ما عاد للحصار من معنى لاستمراره فلديكم مسؤوليات تجاه الشعب الفلسطيني عليكم الإسراع بتنفيذها كي يكون لكم دور حقيقي يعبر عن حقبة سياسية جديدة تختلف عما كانت عليه في زمن الطاغية المخلوع، ودامت مصر عزيزة أمام أبنائها عنيدة على المحتلين والطامعين
عار أن يبقى الشعب الفلسطيني رهينة للضغط على طرف ما لخضوعه لإملاءات الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي
١٥ أبريل ٢٠١٢