^ لو كان بين المتابعين لأحداث البحرين منذ فبراير العام المنصرم من يرصد البيانات التي تصدر عن الفئة التي تحمل شعارات بعيدة عن طبيعة وواقع مجتمع البحرين لفاجأ الجميع بعددها فهو بالتأكيد رقم كبير، لكن هذا الرقم في نهاية المطاف لا يمكن وإن تضاعف مرات أن يتسبب في إسقاط النظام أو في إسقاط الحكومة أو في إحداث أي تغيير يمكن أن يستفيد منه المواطن، فالأنظمة والحكومات لا تسقط بالبيانات مهما كثرت ومهما كانت ساخنة، ومهما كانت مدعومة من جهات خارجية، وفي كل الأحوال لا يمكن أن يسقط النظام في البحرين لأنه قوي ولأنه تتحقق فيه كل أركان الدولة، ولأنه جزء من منظومة خليجية قوية، ولأنه على علاقة ممتازة مع مختلف دول العالم، أما الحكومة فلا يمكن أن تسقط لأن من يديرها أمير يمتلك من الخبرة والكفاءة ما يحسد الآخرون البحرين عليه، ولأن حكومته تعمل بجد واجتهاد ومتعاونة مع مجلس النواب الممثل للشعب ومرنة. إنما هو الخيال الواسع الذي سيطر حتى بدا لأولئك أن الأمور “سهالات” وأن مسألة إسقاط النظام ليست بالعويصة، بل إن المتابع لما ينشر من تغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ أن المغردين يتحدثون بلغة الواثق من أن “النصر” آت لا محالة وأنهم باتوا قاب قوسين أو أدنى من تسلم السلطة. لا بأس أن يتعلق الإنسان بالأمل وأن يحلم بالتغيير، لكن هل فعلاً نحن بحاجة إلى كل هذه التغييرات الكبيرة في البحرين؟ هذا السؤال يمكن إعادة صياغته بشكل أكثر بساطة هو هل المراد إسقاط النظام أم تحقيق إصلاحات تؤدي إلى تغييرات يشعر معها المواطنون أنهم حققوا مكاسب للجميع؟ وهل القول بإسقاط النظام هو من باب المطالبة بالمستحيل للحصول على الممكن أم أنه بالفعل المراد هو إسقاط النظام وإحلال نظام آخر مجهول بدلاً عنه؟ المتابع لتصريحات الممثلين لـ “المعارضة” يمكنه ملاحظة أن البعض منهم وخصوصاً ممثلي الجمعيات السياسية يتحدثون عن إصلاحات وعن مملكة دستورية وعن أمور يمكن بشكل أو بآخر أن تتحقق على أرض الواقع، بينما يرفع البعض الآخر وخصوصاً أولئك المتدثرون بالخارج السقف ويطالبون بإسقاط النظام ورحيل الأسرة الكريمة الحاكمة. وهو ما يعني أن هناك خلافاً واضحاً بين الطرفين اللذين هما في النهاية طرف واحد، وهذا يعني أيضاً أن الرؤية غير واضحة لهم جميعاً ويعني في خاتمة المطاف أن تضحيات البسطاء يمكن أن تضيع -إن لم تكن قد ضاعت بالفعل- وسط ذلك الغياب في الرؤية، فعندما لا تكون الغاية واضحة للقياديين فإن الأكيد هو عدم قدرتهم على الوصول إلى تحقيق أي هدف. ما هو واضح للمراقبين من الذين يمتلكون القدرة على قراءة الساحة البحرينية هو أن الحكومة بسبب ما تمتلكه من خبرة سياسية وقوة “تلاعب” أولئك الذين “زينوا لأنفسهم أعمالهم”، حتى وصلوا إلى قناعة أن بإمكانهم إسقاط النظام وإسقاط حكومة خليفة بن سلمان من خلال إصدار مجموعة من البيانات. ما يراه المراقبون هو أن واقع الحال يقول إن مسألة إسقاط النظام غير ممكنة بل مستحيلة وأن الأفضل هو تخفيض سقف المطالب والتفكير بواقعية والسعي للحصول على مكاسب ملموسة للمواطنين بدل إغراقهم في أتون المجهول، فالذي يعمل سياسة ينبغي أن يعرف أنه من غير الممكن الحصول على كل شيء لأنه بالمنطق لا يمكن للآخر أن يقبل بخسارة كل شيء، وبالتالي لا بد من تقديم تنازلات تمكن الطرف الآخر من التفاعل وتهيئة الأرضية للوصول إلى اتفاق ما مناسب للجميع. ليست البيانات هي من سيحلحل الوضع في البحرين ولكنها الخبرات السياسية والعقول والنظرة الواقعية.
بيانات.. «الأمور سهالات»!
28 مايو 2012