^ الاجتماع الذي عقده نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي دينيس ماكدونو مع أعضاء من جمعية الوفاق وأخواتها تحت مسمى “لقاء مع ممثلي المجتمع المدني” في مقر السفارة الأمريكية بالمنامة في أواخر الأسبوع الماضي، وبحضور السفير الأمريكي لدى البحرين توماس جراكيسكي، ليس الاجتماع الأول الذي تعقده السفارة مع من يطلق عليهم بالجماعات السياسية المعارضة ولن يكون الأخير؛ لأن هذا الاجتماع يأتي في إطار سلسلة الاجتماعات التي عقدتها السفارة الأمريكية سواء في ظل السفير الحالي أو الذين سبقوه وهو ينطلق من موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة السياسية التي عصفت بالبحرين في فبراير من العام الماضي ووقوف البيت الأبيض في بداية الأزمة مع الحركة الاحتجاجية التي قادتها الجمعيات السياسية الراديكالية ونتيجة لهذا الموقف الذي تتبناه إزاء حكومة البحرين فهي مستمرة في عقد هذه اللقاءات والاجتماعات مع الأطياف السياسية التي تعول عليها كثيراً في قيادة التغيير في دول المنطقة. وهي بالنسبة لها ـ أي للولايات المتحدة ـ الحصان التي تراهن عليه في قيادة التحول نحو الديمقراطية في دول المنطقة. إزاء هذا المشهد المتكرر فإن السؤال المهم الذي يدور في أذهان الكثيرين في الشارع البحريني هو: هل هذه الاجتماعات تتم بعلم وبموافقة وزارة الخارجية البحرينية أم أنها تتم وفقاً لإرادة السفير الأمريكي الذي يتلقى أوامره مباشرة من وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطون فإذا كانت الإجابة بنعم فإن ذلك يدفعنا إلى إعادة طرح السؤال على وزارة الخارجية بصيغة أخرى هل يجوز في الأعراف الدبلوماسية لسفير دولة ما أن يجتمع بمواطنين من الدولة التي يمثل بلاده فيها؟ حسب علمنا أن السفير يعين لرعاية مصالح شؤون مواطنيه في البلد الذي يوجد فيه.وهذا السؤال يقودنا أيضاً إلى سؤال آخر نريد من وزارة الخارجية أن تفيدنا حوله وهو: هل الاتصالات التي تجريها السفارة الأمريكية مع بعض القوى السياسية في البحرين تتم بطلب من البحرين. بمعنى آخر هل الدولة هي التي طلبت مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد حل للأزمة السياسية التي عصفت بالبحرين في العام الماضي؟ وأعتقد أن مثل هذا الطلب جائز ومقبول بين الدول. وعليه يمكن القول إن تحركات السفارة الأمريكية تأتي في هذا السياق وبذلك يكون تحركها جزءاً من جهود الدولة وسعيها نحو احتواء الأزمة والخروج منها. وبناء على ذلك لا ترى الدولة غضاضة في الاستعانة بالأشقاء والأصدقاء والحلفاء وكل من يعاونها على إيجاد حل لهذه الأزمة. أسئلة كثيرة تدور في أذهان المواطنين حول تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للبحرين. وفي ظني أنها أسئلة مشروعة لأنها في الواقع تعبر عن حيرة المواطنين وقلقهم المتزايد على مصير بلادهم وأهلها الشرفاء خصوصاً في ظل الصورة القاتمة للدور الأمريكي في الأزمة وعدم توضيح الجهات الرسمية حقيقة هذا الدور وإلى أين يتجه؟ إن المواطنين الشرفاء الذي يرفضون وبشدة التدخل الإيراني في شؤون البحرين السياسية ويرفضون وصايتها على أحد مكونات الشعب البحريني ويطالبونها بالكف عن التدخل في شؤونها ، فإنهم هم المواطنون الذين يرفضون أيضاً تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، ؛ لأنه من حيث المبدأ يرفضون التدخل من أي دولة مهما كانت قوتها وهم في ذلك لا يفرقون بين إيران أو الولايات المتحدة. أما أولئك الذين يبحثون عما يحقق لهم مآربهم فإنهم على استعداد للجلوس مع “الشيطان الأكبر” ما دام ذلك يحقق أحلامهم وأهدافهم ولذا نراهم لا يترددون لحظة واحدة في الاستجابة لدعوة الأمريكيين بل يفعلون أكثر من ذلك في خطب ود الأمريكيين ما دام هؤلاء يعدونهم بمكافأة ثمينة وهل هناك هدية أغلى من البحرين. فإذا كان الأمريكيون قد قدموا العراق على طبق من ذهب هدية للأحزاب الطائفية المتحالفة مع إيران مقابل النفط العراقي وفتح الأبواب على مصراعيها لشركات النفط الأمريكية العملاقة للعمل في حقول العراق فما الذي يمنعهم من نسخ التجربة العراقية في البحرين إذا كانت الجماعات السياسية ستلبي كل مطالب الأمريكيين . خلاصة القول، إن نسبة كبيرة من البحرينيين الشرفاء يستنكرون مثل هذه الاجتماعات التي تقودها السفارة الأمريكية بحضور مسؤولين أمريكيين مع بعض القوى السياسية والمخصصة لمناقشة قضايا الشأن المحلي وهم في ذلك يؤيدون ما ذهب إليه بعض رؤساء الجمعيات والنواب الذين سجلوا مواقفهم حيال هذه الاجتماعات لكن في رأيي أن الاستنكار يجب أن لا يقف عند اقتصار الاجتماعات على إحدى الجماعات السياسية واستبعاد الأطياف الأخرى من هذه الاجتماعات كما عبر رؤساء الجمعيات السياسية في تصريحاتهم الصحافية فالصحيح من وجهة نظري هو رفض مثل هذه الاجتماعات في مجملها لأنها ببساطة مخالفة للأعراف الدبلوماسية وتعد تدخل سافر من جانب السفارة في الشؤون المحلية وإذا كان كاتب هذه السطور غير دقيق في معلوماته فيما ذهب إليه حول هذا الموضوع فإنه يرجو من وزارة الخارجية تصحيح معلوماته وفي الوقت ذاته تبين للمواطنين حقيقة ما يجري في السفارة الأمريكية.
أفتونا يا وزارة الخارجية
04 يونيو 2012