قال الكاتب ميتشال آي بلفير: إن حكومة البحرين تواجه صعوبات جمة في التأسيس لحوار مصالحة وطنية ذي مصداقية مع أحزاب المعارضة التي تستمر بانتهاج العنف والتحريض بهدف، وعن قصد، "زيادة الطين بلة”، مشيراً إلى أنه "ليس باستطاعة علي سلمان النأي بالوفاق عن إيران بسبب نفوذ رجال الدين الإيرانيين وتأثيرهم الهائل على جمعية الوفاق التي تعمل لتحقيق مصالح طهران”.وأضاف آي بلفير، في مقال نشره بالمجلة الأوروبية للدراسات الدولية والأمنية (CEJISS)، أن "الوفاق، حاولت بكل ما أوتيت من جهد تسييس سباق الفورمولا1، وإذكاء العنف الطائفي والتصعيد على الأرض، عن طريق الجماعات المخربة من أتباعها، مشيراً إلى أن نهج الوفاق كشف ميلها إلى تكريس التسلط الذي ظهر جلياً من خلال رفضها المتكرر للحوار الوطني.وأكد بلفير أن "جائزة البحرين الكبرى للفورمولا1، كانت خطوة نحو المصالحة الوطنية بين المكونات المختلفة للمجتمع المدني”، مشيراً إلى أن "زعم علي سلمان طوال العشر سنوات الماضية، عزمه جلب ديمقراطية حقيقية إلى البحرين مع الحفاظ على الشرعية والسيادة كان بمثابة ذر للرماد على العيون للإخفاء النزعة الطائفية ليس إلا”.وفيما يلي نص المقال:«كانت جائزة البحرين الكبرى للفورمولا1 خطوة نحو المصالحة الوطنية بين المكونات المختلفة للمجتمع المدني حيث كان البحرينيون،شيعة وسنة، علمانيون وأجانب، يجلسون بالأماكن العامة في جو تسوده المساواة ولا يتخلله الصمت المحرج أو البرود أو التراشق المتبادل بالنظرات وكان حديثهم ينصب في مجمله على إمكانية الخروج بقرارات مناسبة لتجاوز تداعيات أعمال العنف التي عصفت بالبلاد منذ سنة 2011 وليس على الانقسام الذي تعيشه البلاد حالياً.وعلى الرغم من، أو ربما بسبب هذا التوجه الشعبي، حاولت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في البحرين بكل ما أوتيت من جهد بأن تسيس سباق الفورمولا1 وأن تذكي العنف الطائفي وأن تصعد من وتيرة الإدانات المتبادلة ثم ببعدها كل البعد عن البحث عن حلول للمشاكل الوطنية، عبرت عن طريق الجماعات المخربة من أتباعها ومن خلال سلسلة من الأحداث المتتابعة عن ميلها إلى تكريس واقع التسلط الذي عرفت به منطقة الشرق الأوسط وعدم تجاوزه في حال وصولها إلى السلطة وهو أمر واضح من خلال رفضها المتكرر للحوار الوطني.إن لخطاباتها النارية وتبني ائتلاف شباب الرابع عشر من فبراير للعنف أثناء أيام الغضب في البحرين دوراً مهماً في إذكاء العنف الثوري وما تلاه من قمع في حين أن الوفاق مازالت تصر على أنها لم تتبن التحريض وأنها ليست نسخة أو امتداداً للدكتاتوريات التي عرفها الشرق الأوسط على امتداد القرنين الـ20 و21.وأكد الشيخ علي سلمان وهو زعيم جمعية الوفاق بلا منازع طوال العشر سنوات الماضية في خطاب تلو الآخر عزمه على جلب "ديمقراطية حقيقية إلى البحرين مع الحفاظ على الشرعية والسيادة”، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتسليطه الضوء، في العديد من المناسبات على استطاعة البحرين في ظل الوفاق ممارسة ديمقراطية من نوع ديمقراطيات وستمنستر، وسويسرا والولايات المتحدة وليست من نوع ديمقراطية القذافي ولكن من المؤسف أن كلماته هذه كانت بمثابة ذر للرماد على العيون لإخفاء النزعة الطائفية ليس إلا.وكشف الخطاب الذي ألقاه علي سلمان في 31 مارس 2012 في مأتم بمنطقة قرب مرمريز بقرية السنابس إلى جانب إجراءات الوفاق التي تزامنت مع فعاليات الفورمولا1 عن حجم الصعوبات التي تواجه حكومة البحرين في التأسيس لحوار مصالحة وطنية ذي مصداقية مع أحزاب المعارضة وكان الخطاب مثله مثل الكثير من الخطابات السابقة يهدف عن قصد إلى "زيادة الطين بلة” في حين كان من المفروض أن يبدد بعض العقبات التي تقف في وجه المصالحة السياسية والتي للوفاق وحدها القدرة على تبديدها.لدى علي سلمان حساسية ضد التدخل الإيراني في شؤون البحرين سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة ورغم ما خلصت إليه لجنة التحقيق الوطنية المستقلة (لجنة بسيوني) من غياب دليل ملموس على التدخل الإيراني المباشر في أحداث فبراير 2011، فإن سجل طهران السابق الحافل بالتورط في مثل هذه الأمور لا يترك مجالاً للتعجب من حذر البحرين المتواصل في هذا الشأن وإذا كان علي سلمان جاداً في قبول الحوار الوطني لينأى بالوفاق عن إيران ولكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك لأنه سواء كانت إيران قد نأت بنفسها عن التدخل المباشر طيلة الـ14 شهراً الماضية أم لا، يضل نفوذ رجال الدين الإيرانيين وتأثيرهم الهائل على جمعية الوفاق مستمراً مما يعني استمرارهم في خدمة مصالحها ناهيك عن رسوخ وتجذر قادة حزب الوفاق في التسلسل الهرمي الديني الشيعي.وافتتح علي سلمان خطابه المذكور بشكر الشيخ عبدالأمير الجمري وآية الله الشيخ عيسى قاسم وسيد عبدالله العريفي وجميعهم كانوا أولاً ولايزالون من رجال الدين الشيعة الكبار ممن لهم بالغ التأثير على المجتمع، فقاسم، الذي درس في مدينة قم (إيران) هو واحد من الدعاة إلى مذهب ولاية الفقيه للزعيم الأعلى الإيراني السابق الإمام الخميني وحكمه الثيوقراطي، وبناء على ذلك يكون من غير المرجح أن يدعم قاسم أو علي سلمان إقامة دولة ديمقراطية حقيقية، حيث يتوقع أن يضعوا البحرين في نهاية المطاف أمام ديمقراطية ثيوقراطية مماثلة لتلك التي توجد في إيران وقد تكون مثل هذه العلاقات الضبابية سبباً في غياب الانتخابات الشفافة والنزيهة في المجتمع.ولو سلمنا جدلاً بأن جمعية الوفاق في منأى عن التأثيرات الدينية الإيرانية، فإن ارتباطها بتحالف شباب 14 فبراير يعزز من أوراق اعتمادها كمفسد لأن الائتلاف المذكور يمارس العنف ضد الشرطة والمدنيين البحرينيين بشكل روتيني وبينما يعترف سلمان بفشل الوفاق "في إرساء أسس التواصل الفعال مع الشباب، الذين كانوا حسب قولها سبباً في بعض الشكاوى والانتقادات بخصوص الأسلوب المتعمد في عملياتهم” ما يوحي بعدم نجاحها في استمرار علاقتها معهم على الإطلاق ولكن بطبيعة الحال لا يمكن أن تزداد أعداد المشتركين في التظاهرات التي ترفع الشعارات تحت راية الوفاق بدون سبب وقد دفعت هذه الشعبية المفترضة للوفاق الشيخ علي سلمان ونوابه إلى غض الطرف عن أعمال العنف التي يقترفها شباب التحالف، ففي الواقع، قامت الوفاق بتمكين الحركة التي تتخذ البحرين رهينة في الوقت الحالي غير أن الزمام فلت من يدها فيما بعد ولم تعد قادرة على أن تسيطر عليها وأما الإشكالية الأكبر تكمن في جدول أعمال الوفاق الطائفي.ومن جهة أخرى يعترف سلمان بفشله في تنويع عضوية جمعية الوفاق من تلك التي تعتمد كلياً على قاعدة من الأنصار الشيعة المتدينين إلى حزب لكل البحرينيين وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في ظل الهيمنة المطلقة لكبار رجال الدين الشيعة على عملية صنع القرار داخل الجمعية وفي غضون ذلك، تزعم الوفاق أن الحكومة تستخدم الهجرة كوسيلة لتقليص حجم الطائفة الشيعية في البحرين كما جاء ذلك على لسان الشيخ علي سلمان الذي دعا إلى رفض مشاركة المواطنين البحرينيين غير الأصليين في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل البلاد وهو يريد من خلال هذه الدعوات الطائفية أن يجعل من المهاجرين مواطنين من الدرجة الثانية وأن يلبي رغبة الوفاق في إرساء ديمقراطية وفقاً لشروطها الخاصة ولكن كيف يمكن التوفيق بين هذا كله والبحرين موطن قدم لعدد كبير من التجمعات السكانية الفلسطينية والسورية؟ هل الوفاق تريد حقاً إعادة تهجير الفلسطينيين الذين وجدوا ملجأ في الجزيرة العربية في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967؟ هل يمكن إجبار السوريين على العودة القسرية إلى بلادهم وهي تعيش حالة من الاضطراب؟ هل ينبغي قمع هذه الأقليات وتهجيرها لأنها ببساطة من السنة؟ إن مثل هذه القضايا لا تعطي الاهتمام الكافي لأن العديد يفترض عدم وجودها أساساً وفي المقابل تصر الوفاق على أن قضية البحرين هي قضية من النوع الأسود والأبيض أي غير قابلة للجدل باعتبارها ببساطة حالة تحكم فيها الأقلية أغلبية شيعية وتكرس فيها المصالح الذاتية. أسئلة من هذا القبيل التي يتعسر الإجابة عنها لتؤكد على حقيقة أن الوفاق لاتزال غير ناضجة سياسياً وغير قادرة على السيطرة على بعض فلولها الأكثر تبنياً للعنف وعلى إصرارها على استخدام الضغوط السياسية لتعطيل البرلمان والتخلي عن الحلول السياسية والتملق للمرجعية الروحية الإيرانية والمضايقة الصريحة للمتجنسين البحرينيين وتصر الوفاق أيضاً، على أن تجري مع الحكومة تفاوضاً حول تسوية سياسية على أساس ثنائي على الرغم من وجود العديد من الجمعيات السياسية الأخرى من مختلف ألوان الطيف السياسي التي يحق لها المساهمة في أي نقاش حول المصالحة الوطنية. إن عناد الوفاق وركوبها لرأسها بشأن مثل هذه القضايا المصيرية يكشف موقفها الحقيقي تجاه مسألة المصالحة الوطنية ومن المسلم به أن يسعى المتعاطفون مع الوفاق، وهو من حقهم، إلى التقليل من شأن هذه الحجج ولكن الوضع الضاغط الآن لا يسمح بالوقوع في لعبة الاتهامات المتبادلة هذه وعليه ينبغي على الوفاق أن تمسك العصا من النصف وأن تلتقي في منتصف الطريق مع الحكومة وهي الحكومة التي تسعى جادة إلى التوصل إلى حل وسط والمضي قدماً في الإصلاح.إن كل دقيقة تمر دون التوصل إلى تسوية سياسية ودون الإعلان الصريح لرفض العنف ستقود البلد حتماً إلى المزيد من الأخطار التي سيطال تأثيرها كل من يعيش على هذه الأرض وربما عندها تصبح الوفاق راضية حقاً وهي ترى جميع البحرينيين يعانون من قصر النظر الديني للشيخ علي سلمان”.