كتب - طارق مصباح:انتشر في هذا الزمان كثير من البرامج المتخصصة في تفسير الأحلام بل وقنوات خصصت لهذا الغرض وانشغل الناس بهذا الأمر أيما انشغال! فنرى البعض يتابع هذه البرامج لمن يدعون تفسير الأحلام، وآخرون يعرضون أحلامهم عبر مواقع استشارات في الإنترنت، وآخرون يشترون بعض الكتب المتخصصة في تفسير ما يراه النائم في منامه، وهذا ما يتطلب وقفة شرعية مع هذا الموضوع من حيث ضوابطه وأحكامه من خلال صحيح الدين من كتاب وسنة وما أكثر النصوص التي وردت في ذلك.وحول هذا الموضوع وما يتعلق به من محاور، نكمل مع قرائنا الأفاضل ما بدأنا به حديثنا في الأسبوع الماضي حول الرؤى والأحلام، ولقاء اليوم مع واعظين وخطيبين فاضلين بالشؤون الإسلامية والأوقاف وهما كل من الشيخ بشير جويزي صالح والشيخ عبد الجبار محمد مهدي.قنوات وكتب تفسر الأحلام^ البعض يتابع بعض برامج القنوات الفضائية لمن يدعون تفسير الأحلام، وآخرون يعرضون أحلامهم عبر مواقع استشارات في الإنترنت، وآخرون يشترون بعض الكتب المتخصصة في تفسير ما يراه النائم في منامه، فما هو توجيهكم للمسلمين بهذا الشأن؟يقول الشيخ عبد الجبار محمد مهدي: هذا تابع لانتشار وسائل الإعلام خاصة القنوات الفضائية عامة ودخول التلفاز لكل بيت وسهولة الرجوع إلى المواقع وتمكن غالب الناس من تصفح هذه المواقع، وهناك مسألة وهي أن الناس إذا أصابهم نوع من الإحباط وكثرة الفتن فالغالب عليهم الميول إلى التأويلات والأحلام لعلهم يجدون ما يفرحهم ويبعث فيهم الأمل والواجب على الأمة الأخذ بأسباب التمكين فإن سنة الله لا تتغير وما أقول ذلك لإهمال هذا العلم ولا للتقليل من شأنه ولكن للحذر من استغلال من ليس له الإمكانية العلمية أو الخبرة في هذا الباب بما قد يشكل كثير من المشكلات الاجتماعية، فأنصح بعدم التمادي والرجوع لأهل الخبرة والمتزنين المتأصلين في هذا الشأن والالتفات إلى الواقع.ويضيف على كلامه الشيخ بشير جويزي صالح : من كتب العلماء التي ذكرت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرؤيا وتفسيرها كتاب ابن القيم في (إعلام الموقعين) ذكر جملة من ذلك رحمه الله في الرؤيا ، وكتاب تفسير الأحلام لابن سيرين . قال الشيخ بن باز رحمه الله تعالى : لا أعلم حرجاً في قراءة كتب التفسير لابن سيرين وغيره من كتب الأحلام ليستفيد منها طالب العلم لكن لا يعتمد عليها، بل بالأدلة لا بد من أن ينظر الأدلة ويتعلم وينظر القرائن وإذا أشكل عليه لا يجزم يقول لعل المراد كذا في الرؤيا.إلا أننا نود التنبيه إلى أمر هام ألا يعتمد المسلم على كتاب معين في تفسير الأحلام وذلك لأن المرائي تختلف بحسب الرائي فقد يرى الرجلان رؤيا صورتها واحدة ولكنها تختلف فتفسر لهذا الرائي بشيء وتفسر للرائي الآخر بشيءٍ آخر ولهذا لا يرى بعض أهل العلم الثقات قراءة تفاسير الأحلام سواء كانت لابن سيرين أو غيره مثل الشيخ ابن العثيمين رحمه الله لأن الإنسان لا يعرف الفرق في تعبير الرؤيا بين أن تكون من شخصٍ وآخر فربما يعبر رؤيا من رآها وهي على خلاف ما عبر وتقع كما عبر كما جاء بذلك الحديث أن الإنسان إذا عبر الرؤيا وقعت على تعبيره ولو كان مكروهاً لهذا نحذر من التعلق بهذه التفاسير للأحلام لأنها تختلف من شخص لآخر.رؤية النبي عليه السلام في المنام^ هل يمكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ؟ وهل لهذه الرؤيا فضيلة لمن رآه أو أمور تترتب عليها الرؤيا ؟يقول الشيخ عبد الجبار محمد مهدي: نعم ولكن بضوابط منها أن هذه الرؤيا لا تغير أمر أو حكم شرعي وذلك لفقدان الرائي ثلاثة شروط التثبت و قد يكون الأمر على غير ظاهره وقد أنقطع الوحي وتمت الشريعة وكمل الدين ولكن من رأى النبي بصفاته المدونة في كتب أهل العلم فإنه قد رأى النبي حقاً للحديث الصحيح (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي) البخاري.ويضيف على كلامه الشيخ بشير جويزي صالح: إذا رآه في صورته الكريمة، وسط من الرجال، ليس بطويل جداً ولا قصير بل وسط، وذو لحية سوداء ليس فيها إلا شعرات قليلة بيض، وهو من أجمل الرجال، قد أعطاه الله جمال الخلق والخلُق -عليه الصلاة والسلام-، فإذا رآه في صورته فقد رآه، فإذا أمره بخير ودعاه إلى خير، فليسارع إلى ذلك، وإن نهاه عن شر فليسارع إلى تركه. فالحاصل أنه إذا رآه على صورته فقد رآه عليه الصلاة والسلام، فإن أمر بمعصية فإنه لم يره، فهذا ليس على صورته، بل شيطان تشبه بذلك، إذا أمره بالزنا أو بالمعاصي أو بالسرقة أو بترك الصلاة هذه علامة على أنه ليس هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه شبّه عليه، أما إذا أمرك بخير، أمرك بالصلاة أمرك بالاستقامة على دين الله، بصلة الرحم، ببر الوالدين، أو لم يأمرك بشيء لكن رأيته على صورته فقد رأيته ولا تثبت للرأي فضيلة أو مكرمة بذلك والله أعلم.رؤيا المؤمن من النبوة!^ ما هو المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه مالك في الموطأ وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: (ذهبت النبوة وبقيت المبشرات)، قيل: وما المبشرات؟ قال: (الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له) وأصل هذا الحديث في البخاري. وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) رواه البخاري ومسلم.يقول الشيخ عبد الجبار محمد مهدي: نعلم إن من أول مقاصد الوحي تثبيت أهل الإيمان على طاعة الله ودفع عنهم ما قد يزعزع يقينهم بسبب الفتن التي تمر بهم وهذا المقصد قد أنقطع بانقطاع الوحي بخاتمة الرسالات وهو وفات آخر الرسل نبينا محمد?ومن رحمة الله أنه عوض أهل الإيمان عن انقطاع الوحي أن جعل لهم عوامل تثبيت من طريق آخر وهو الرؤى الذي تحقق ذلك المقصد وكذلك أن التقدم بالزمن هو ذاته البعد عن زمن الرسالة وهذا بدوره اقتراب من يوم القيامة وكل ذلك يزيد من الفتن وشدة عداء المخالفين لأهل الإيمان وتمكن إبليس أتباعه من الناس وتسلطوا على أهل الإيمان فكان من المناسب طردا أن يحدث للمؤمنين من البراهين وعلامات صدق النبوة ما يثبتهم ويزيدهم يقينا بهذا الدين رفع القلم عن النائم^ هل يحاسب الله سبحانه وتعالى المسلم على ما يراه في منامه من الأمور الطيبة أو السيئة، كأن يرى أنه يعمل الحسنات أو يرى أنه يعصي الله سبحانه وتعالى عياذاً بالله؟يقول الشيخ عبد الجبار محمد مهدي لا يحاسب ولا يؤاخذ بل عليك أن تعلم أمور ومنها: أولاً - أن ما يراه النائم في منامه ليس هو على ظاهره في الغالب بل رموز وإشارات لها معاني قد تغاير ما عليه في اليقظة، ثانياً في الحديث (رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ) وهذا دليل قاطع على أن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ النائم بما يراه ما لم يترجم ذلك عمليا في حال اليقظة.ويضيف على كلامه الشيخ بشير جويزي صالح: إن الرؤى لا يعمل بها في إثبات شيء من الدين أو من شرائع الدين لأن الدين كاملٌ بدونها والحمد لله وأما في أمور الدنيا فقد تكون الرؤيا صحيحة ويعمل بها لا سيما إذا دلت القرائن على صدقها ، ولا يكُتب للمرء بها حسنات أو سيئات قال تعالى (لا يكلف الله نفس إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت).