بقلم ـ صافي الياسري: الاستراتيجيات الفاعلة في الخليج العربي - الاستراتيجيات المتقاطعة الفاعلة في الخليج العربي، ثلاث: الإيرانية، والغربية – الأمريكية – على وجه الخصوص – والعربية – دول مجلس التعاون الخليجي. إستراتيجية الأمريكان نيابة عن الغرب بعامة تتلخص بحماية وارداتهم النفطية وخطوط تجارتهم، ومصالحهم السياسية، ولذا تراهم موجودين عسكرياً، على وفق معاهدات واتفاقات حماية مع دول مجلس التعاون، منذ أن حلّت أمريكا محل بريطانيا بعد انسحابها من شرق السويس، على وفق نظرية ملء الفراغ المعروفة وازداد اعتبار وجودهم وإلى جانبهم البريطانيون والفرنسيون بعد الغزو العراقي للكويت. والاستراتيجية الإيرانية زمن الملالي انقلبت عنها في زمن الشاه، إذ كان نظامه يكتفي بلعب دور الشرطي، والاعتراف به لاعباً إقليمياً بنفوذ خاص، إلى إستراتيجية نظام ساع لفرض الهيمنة والنفوذ والتمدد على حساب الأوطان الخليجية العربية، استحواذاً واحتلالاً وبأساليب التآمر وتحريك الدمى في الداخل، وزعزعة الأوضاع الأمنية، وإرباك مسارات الحياة اليومية لشعوب دول الخليج في المضامير كافة، وبعبارة أدق وأكثر تلخيصاً: الاحتلال من الداخل – مع التهديد بالاحتلال العسكري المباشر والابتزاز نووياً. أما استراتيجيات دول مجلس التعاون الخليجي، فتلخصها الاستراتيجية السعودية (أمن الوطن واستقلاله واستقرار الخليج العربي). هذه هي الخطوط العريضة لتلك الاستراتيجيات، لكنها في نشاطها التفعيلي على الأرض، وفي تفاصيلها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، تتقاطع في كل مفردة من مفرداتها بما يفرض حتمية تغيير جيوبوليتيكي يستجيب لتحدياتها. الإستراتيجية الأمريكية الإستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي، هي التي عبدت الطريق لخميني، للإطاحة بنظام الشاه، ضمن حسابات مستقبلية تخص عموم الشرق الأوسط، حين منعت قيادات القوة الجوية وصنوف الجيش الأخرى، والشرطة والأمن والمخابرات، من دعم الشاه، والتصدي للتظاهرات الشعبية الهادفة إلى تحطيم عرش الطاووس والخلاص من دكتاتوريته، وكانت ذروة إسهاماتها في التغيير الدراماتيكي في طهران، تسهيلها الأمر لخميني لركوب موجات التظاهرات تلك، وسرقة الثورة الشعبية، حين وضعت تحت إمرته طائرة خاصة أقلته من باريس إلى طهران، ومهدت له الطريق إلى قصر جميران، على وفق سيناريوهات ما زالت تقلب صفحاتها في عموم مناطق العالم التي تهيمن عليها، وتتابع فقراتها بصبر ودأب، وبتكييف مناسب، بين منطقة وأخرى وحين وآخر، بحسب التحديات، وتيارات المتغيرات، وقفز الهوامش، وقد يكون ذلك محيراً أو مفاجئاً لبعضهم لكنه عند القراءة المتمعنة لسلوكيات واشنطن وسياستها تجاه حلفائها، التي تحكمها المصالح قبل كل شيء، في الأقل في منطقة الشرق الأوسط – الشرق العربي زائداً تركيا وإيران - سنجد أنها خرز قلادة منظومة بخيط واحد، يمتد من طهران وبغداد إلى المغرب وموريتانيا ويمر بتونس ومصر واليمن وينتقل إلى سوريا، ويعرج نزولاً إلى دول الخليج، وأن البلد الوحيد الذي تمكن من الإفلات من أنشوطته هو البحرين، وبلا أي نوع من المجاملات، إذ كان هذا الإفلات يعتمد حكمة رأس النظام، جلالة العاهل حمد بن عيسى آل خليفة والتفاف البحرينيين حوله، وحسن قراءته لما دار حوله وواقعيته، زمن تنفيذ المؤامرة الانقلابية الإيرانية في المنامة، أو بدء مسيرة الاحتلال الإيرانية من الداخل، التي قصفت عمرها في ذروتها قوات درع الجزيرة، وموقف الأشقاء الخليجيين الذين وضعتهم المنامة في الصورة، وعلى رأسهم الشقيقة السعودية. الإطاحة بالشاه، كانت إذن إرادة أمريكية، متوافقة مع تحرك شعبي استغلته، بتعطيل قوى الصد النظامية، وبالنصيحة المباشرة أو الأمر في الواقع، التي قدمتها للشاه في لحظات حكمه الأخيرة، بمغادرة طهران، ولم تترك له إلا قاهرة السادات من يرضى باستقباله. أما المتغير الجيوبوليتيكي الذي أجرته المصالح الاستعمارية الغربية – البريطانية – في منطقة الخليج، في حقبتها فهو تسليمها الأحواز لإيران، وموقع الأحواز في مدخل الخليج الشمالي منح إيران ثقلاً استراتيجياً اقتصادياً وعسكرياً لا يماثل، واطلالة استحواذية على باقي مناحي الخليج العربي، أتمتها بريطانيا حين أفسحت المجال لشاه إيران محمد رضا بهلوي باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث عند انسحابها، ولهذه الجزر هي الأخرى موقعها الاستراتيجي الذي يوازي قيمة الأحواز إن لم يتفوق عليها، بالهيمنة على المدخل الجنوبي للخليج العربي، مضيق هرمز، والاقتراب إلى حد بعيد من السواحل العربية فيه، وقدمت أمريكا احتلال العراق والبصرة بوابة الخليج الشمالية لإيران لقمة سائغة على طبق من ذهب بالتواطؤ مع بريطانيا، ومن يقرأ تفاصيل هذا التقديم سيستعيد صورة أبو ناجي (المستعمر البريطاني كما يكنيه العراقيون) وهذه متغيرات جيوبولوتيكية خطرة في الخليج العربي واقعاً فرضتها الاستراتيجيات الغربية، أو استراتيجيات المصالح، وهو ما يجب أن تحسب حسابه دول مجلس التعاون الخليجي، فعلى قاعدته أو مذبحه يمكن ينحر وجود هذا الكيان الخليجي أو ذاك، ضمن ما تفرضه إستراتيجية المصالح الأمريكية واضحياتها، من تغييرات جيوبوليتيكية، قرأنا بوادرها في سلوكيات الإدارة الأمريكية نحو البحرين إبان صفحات المؤامرة الإيرانية عليها في أحداث فبراير العام الماضي، وما زلنا نقرأها، في تصرفات المنظمات التي ترفع لافتة الانتماء للمجتمع المدني الأمريكي، بينما هي في حقيقتها، أو هي بالنتيجة تخدم مساع سياسية، ومصالح شركات ومؤسسات العولمة المستظلة بالإمبريالية الأمريكية، وكشف الزميل يوسف البنخليل في كتاباته في “الوطن”، وكتابيه الموسومين، الأول “حرب اللاعنف في البحرين.. هكذا تم تجنيدي لإسقاط النظام”، والثاني “أمريكا وشتاء البحرين.. تحليل العلاقات بين واشنطن والطائفة السنية البحرينية” غوامض صفحات هذه المنظمات في ما يخص المشاركة في التآمر الإيراني الطائفي على البحرين، وكذلك في المتسرب من معلومات ومن قراءات تحليلية لوقائع وسلوكيات، ومن تصريحات مباشرة أيضاً، حول سيناريوهات ترتيب البيت الشرق أوسطي الجديد أو الكبير، بالتوافق مع مشروع المشرق الإسلامي الكبير، الإيراني. وأمريكا تبذر في المنطقة ما بذرته قبلها بريطانيا، من مشكلات عرقية وطائفية، لا يمكن وضع دول مجلس التعاون الخليجي بمنأى عنها، والمشكل السياسي هنا، سرطان حقيقي، إذا لم يستأصل مبكراً، بإجراء أكلينيكي، استفحل حتى يستحيل التعامل معه إلا بالاستسلام له، ويمكن قراءة رسائل الإستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي ابتداء من العام 68، عام الانعطافة في التوجه الأمريكي نحو الخليج بعد أن أعلنت بريطانيا عزمها الانسحاب من شرق السويس، وبروز المبدأ الأمريكي (ملء الفراغ) الذي عبر عنه السناتور (مايك مانسفيلد) زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي آنذاك – عندما قال معقباً على القرار البريطاني بالانسحاب: “إني أشعر بالأسف العميق لاضطرار بريطانيا تحت وطأة أزمتها الاقتصادية، للإقدام على مثل هذه الخطوة، ومبعث أسفي توقعي أن نطالب بالحلول محلها لملء الفراغ في شرق السوي، هذا في الوقت الذي لا نملك فيه الموارد أو الرجال اللازمين للاضطلاع بتلك المهمة الشاقة)! ومن ثم قيام “قوة الشرق الأوسط” وتوسعها(Mideastfor Middle East Force) وقاعدتي الشارقة والبحرين البحريتين، ثم القواعد الأمريكية في عمان، فضلاً على حلول أمريكا محل بريطانيا في أهم قاعدة في المحيط الهندي، وهي قاعدة دييغو غارسيا، مروراً برد الفعل الأمريكي على الغزو السوفيتي لأفغانستان، ومبدأ كارتر وقوة الانتشار السريع، ثم مساعي ريغان في نشر القواعد في عموم الشرق الأوسط، وطراح مبدأ نيكسون عن العزلة الأمريكية، أو فك ارتباط أمريكا بالنزاعات العالمية، ثم نسف نقاط مبدأ سيسكو الخمس (1972) وفي مقدمتها عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، أو التحايل عليها، وتداعيات سقوط الشاه، والحرب العراقية الإيرانية، ونسف مبدأ وسياسة الدعامتين Twin Pillars بالاعتمـــــــاد علـــى العلاقات الوطيدة مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية، لتطمين حاجة استقرار الخليج، بالميل إلى سياسة إرعاب دوله من البعبع الإيراني – العراقي- وابتزازها، وجر العراق إلى غزو الكويت، ثم عاصفة الصحراء، والصدمة والترويع التي هندست احتلاله، وانعكاساتها على النظام الإقليمي العربي، في ضوء ما أسفرت عنه وما ترهص به من تغييرات جيوبوليتيكية في خارطة الشرق الأوسط، توضحها مشاهد التدخلات الأمريكية – الإيرانية – في ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي. وفي الحقيقة فالحديث عن الإستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي، لا يمكن أن يقتصر على تحديات راهن الخليج وحده، بحكم علاقاته الشديدة التأثير في الحياة الاقتصادية والصناعية والتجارية العالمية، فهو ممر ما يقرب من 40 بالمائة من بترول العالم، لذا يمكننا القول إننا قدمنا هنا مفاتيح أبواب تنفتح على أبواب متسعة في ما يخص هذا الموضوع الشائك كثير التشعبات. مختصر القول إن إستراتيجية الوجود والقوة الأمريكية الفاعلة في الشرق الأوسط بعامة، وليس في الخليج وحسب، كان صاغ أصولها العريضة أيزنهاور بمبدئه المعروف باسمه في العام 1957م. بينما تولى كارتر مهمة نقل تلك الصياغة من العموميات إلى المحددات فيما أسماه “قوة الانتشار السريع” ولم تخرج الإدارات الأمريكية المتعاقبة عنها وإن بدا ذلك مظهرياً، لزوم ما يلزم أمام الرأي العام. الإستراتيجية الإيرانية على مدى زمن حكم الشاه، الذي اعتمد الصداقة الأمريكية، التقت الاستراتيجية الإيرانية، واستراتيجية واشنطن ومراميها في الخليج العربي في إقامة نظام أمني إقليمي مستقر يدرأ احتمالات التدخل السوفيتي، لذلك وافقت إدارة نيكسون – كيسنجر عام 1972م، على تلبية مطالب شاه إيران من الأسلحة التقليدية المتقدمة كافة، مع إلقاء مسؤولية كفالة أمن الخليج على الدول المحافظة والصديقة في المنطقة، وفي مقدمتها إيران – الشاه ذات التوجه المهيمن ونوازع السطوة، والتي سرعان ما غدت “شرطي الخليج” حتى أنها توسمت في نفسها قدرة على ملء الفراغِ الذي خلفه الانسحاب البريطاني من شرق السويس، كما يرى بعضهم، مع علم الشاه اليقيني أنه إنما يصطدم بطموحات أمريكا بهذا الخصوص، وهو ما لم تغفره له واشنطن، إذ تجاوز حد المسموح به لمواجهة السوفييت، وربما كان هذا واحداً من أسباب تفكير الأمريكان في استبداله كما يقول الكاتب الأمريكي هنري رايت، مع أني مع الرأي القائل إنها معطيات إستراتيجية المستقبليات، التي غزت دراساتها ومعطياتها ورؤاها مراكز البحوث الأمريكية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة، وأغرت إدارات ما بعد نكسة فيتنام على التوجه لالتزامها، وأن الشاه كان ضحية من ضحايا هذا التوجه، كما هو حال السادات وصدام ومبارك وبن علي والقذافي وصالح وآخرين في الطريق. وبمعنى ما، فالاستراتيجية الإيرانية لورثة خميني اليوم، تلتقي هي الأخرى مع المرامي الأمريكية، في منطقة الخليج – مبحثنا – شأنها شأن إستراتيجية الشاه، إنما بطريقة أخرى، وتقوم هذه الإستراتيجية على توظيف المذهب والطائفة الشيعية، لفرض الاحتلال الإيراني من الداخل: “إقامة جمهورية البحرين الإسلامية المحكومة بمبدأ ولاية الفقيه على غرار جمهورية الخميني والانضمام إليها”، بينما تجد أمريكا في المذهب والطائفة الشيعية، أداة تغيير يمكن توظيفها لخدمة مصالحها المستقبلية، وهي ترى أنها إنما تنافس إيران في ذلك ولا تلتقي معها، بينما الواقع يقر الالتقاء، بحكم النتيجة. مبدأ تصدير الثورة بدقة بالغة يمكن القول إن الإستراتيجية الإيرانية التي رسخ أساسها الخميني في مبدأ تصدير الثورة، وجد ورثته أنفسهم يتوجهون إلى ترجمتها على الأرض من خلال مبدأ الاحتلال من الداخل، مع التهديد بالاحتلال العسكري المباشر، كما هو الحال مع البحرين، بالتساوق مع الابتزاز النووي، ببعديه الإقليمي والدولي، وما يزيد من حدة التوجه الإيراني نحو البحرين ابتداء، هو الفشل المتكرر لكل سيناريوهات الإلحاق التي نفذتها أجهزة المخابرات الإيرانية بالتنسيق والتعاضد والتوحد مع درنات إيران في البحرين التي سبق أن بذرتها إيران الفارسية، وكاثرتها وتستغلها الآن إيران خميني، كما سبقت الإشارة في ورقة سابقة، مما جعل العالم وكذلك رموز القمة الحاكمة الإيرانية، يرون أن البحرين وضعت الأسد الإيراني بسيفه الفولكلوري في إطار الأسد الكسيح!! يقول الكاتب اللبناني جهاد الخازن في تعليق طريف بهذا الصدد: “إن علي سلمان ومرشده عيسى قاسم يحاولان أن يهبطا بالبحرين إلى درك إيران من فقدان أدنى متطلبات العيش الكريم، والتظاهرات لا تفيد، وليست أكثر من رياضة في الهواء الطلق، وإذا وجدت مؤامرة فهي من إيران، إن البحرين اليوم، من دون إنتاج نفطي يُذكر، أفضل وضعاً ألف مرة -عبارة مجازية لا حرفية- من إيران، وإن النظام الإيراني خسر في البحرين، وبقي أن يعترف بخسارته، أو على الأقل يصمت. ثم يحاول إعادة بناء جسوره مع الجيران”. وأضاف الخازن ساخراً: “مَنْ يقف وراء فكرة اتحاد دول الخليج؟ إيران. مَنْ يقود الحملة ضد اتحاد دول الخليج؟ إيران، و«هناك أنظمة حكم حمقى في الشرق الأوسط، وهناك أنظمة أخرى أحمق منها، ثم هناك النظام الإيراني فهو يحمل الميدالية الذهبية في الحمق وقد ابتليَ به شعب إيران وكل شعوب المنطقة، حتى لم يبقَ له حليف في جواره سوى عراق المالكي، أي -المتعوس وخايب الرجا” استراتيجية دول التعاون وهي كما قلنا تلخصها الاستراتيجية السعودية (أمن الوطن واستقلاله واستقرار الخليج العربي) إنما ما الذي يوجبه أمن الوطن واستقلاله؟ وما الذي يفرضه استقرار الخليج العربي؟ الإجابة عن هذين السؤالين، كما أرى وفي ظل التحديات التي تطرحها الاستراتيجيات المتقاطعة في الخليج، يتطلب بصفة لا تقبل اللبس، إقرار ضرورة قائمة هي أن استقرار الخليج العربي لا يمكن أن يتم بفعل قوة من خارجه، لأنها ستكون في الأحوال كلها قوة استعمارية، مستقطبة عداء استعمارياً آخر، أو مرتزقة موظفة لقاء أجر ربما يتم دفعه من كرامة الشعوب واستقلال الدول، وهذا لا يشمل بالضرورة تلك الاتفاقات والمعاهدات القائمة على احترام المصالح المتبادلة بين المتعاقدين واستقلالية هذه الدول. وطرد القوى الأجنبية من الخليج، يفترض في الأقل، حدوداً من الثقة أو التفاهمات بين دوله، وتحديداً بين إيران من جهة، ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى، تقوم على احترام استقلال دولة كلها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما يتقاطع في الصميم مع الإستراتيجية الإيرانية القائمة على تصدير الثورة، والاحتلال من الداخل، ما يجبر دول مجلس التعاون على واحد من ثلاثة إجراءات اضطرارية، الأول هو الاستعانة بالحليف الأجنبي لدرء الخطر الإيراني المحدق، وهو أمر أقل كلفة وأيسر من تولي كل دولة أمر حماية استقلالها بنفسها، كما أنه يقفز بها فوق خلافاتها البينية، على ما في ذلك من سلبيات تضر بالجميع، والثاني تولي الأمر بنفسها وهو يعني انطلاق سباق تسلح له أول وليس له آخر، يأكل الأخضر واليابس ويفقر الجميع، وهو الحاصل حتى الآن بدفع غربي، والثالث وهو الأصلح واقعاً والأكثر صواباً منطقاً، وهو توحيد كيانات هذه الدول في كيان يمتلك القدرة على الدفاع الذاتي الرادع، بصفته الحل الأكثر صواباً والأمثل، في مواجهة العدوانية الإيرانية وتحديات استراتيجياتها، وهو ما تتوجه النوايا الخليجية نحوه، بالانتقال بدول مجلس التعاون الخليجي من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد، وهذا الانتقال أو التحول في حقيقته فعل استراتيجي دفاعي، وليس كما تدعي إيران، التي ترى فيه خطراً على أجنداتها الإقليمية ومشاريعها العدوانية، على أنه عملية ضم واحتلال، كما تطرح الآن فكرة الاتحاد أو الكونفدرالية بين السعودية والبحرين، أو أية صيغة يتفق عليها البلدان، ما يعني دوراً جيواستراتيجياً سياسياً أكبر وأنفع لعموم دول الخليج بما في ذلك إيران، فمن بعض ثماره الاستغناء كتحصيل حاصل عن الحماية الأجنبية والوجود الأجنبي، وهو ما لا تنفك إيران عن مطالبة دول الخليج العربية به. الابتزاز النووي كما أن الاتحاد الخليجي أو حتى اتحاد السعودية والبحرين، سيضع على الرف الابتزاز النووي الإيراني، وهو أمر في واقعه لمصلحة الجميع أيضا بما في ذلك إيران، أي أن تفهم إيران أنه لم تعد بها حاجة إلى النووي، يعني أنها لم تعد تحتاج إلى إعادة بناء ترتيبات أمنية إقليمية جديدة وفقًا لأجندتها الخاصة، والتي ستحد بالضرورة من استقلالية القرار السياسي الخليجي عامة، وستفرض على دول المجلس واقعاً أمنياً جديداً على المستويين الإقليمي والداخلي، مما يكلفها الكثير مما لا طاقة لها به من دون أن يثمر النتائج التي تتوخاها، اللهم إلا المزيد من توتير الأوضاع في المنطقة، في حين يجنبها اعتماد دول الخليج، أو البحرين والسعودية ابتداء، على نفسيهما في حماية أمن بلديهما واستقلالهما، واستقرار المنطقة، الاحتكاك بالقوى العظمى، التي ترى أن من واجبها حماية الممرات الدولية في الخليج، من أي تهديد، لأنها ممرات تسلكها السفن التي تنقل إلى العالم ما يقرب من 40 بالمائة من حاجته من الطاقة، كما أن ذلك سيفتح لها أبواباً إيجابية في التعامل مع دول المنطقة، قائمة على الثقة المتزايدة بعد انتفاء عوامل الابتزاز والتهديد، والعدوانية وتشغيل وتحريك داينموهات الاضطراب الأمني، وسيناريوهات الاحتلال من الداخل، وبمعنى أدق فإن المتغير الجيوبوليتيكي الذي تفرضه وتقود نحوه فعاليات الاستراتيجيات المتقاطعة في الخليج العربي، باتجاه الانتقال بدول مجلس التعاون إلى كيان اتحادي، تغيير محمود ولصالح جميع الأطراف، بينما سيقود في جانبه الآخر سلباً، نحو احتلال أراضي وتفكيك كيانات، وهدم أبنية، وإنفاقات بلا حدود، وسلبيات متراكمة لا أحد يعرف أين ستتوقف، ولن تكون ضحيتها دول الخليج وإيران وحسب، وإنما تقدم العالم وسلامه حتى.