^   عنوان المقال جزء من كلام السياسي الفرنسي شارل ديجول الذي عرف بمناوراته السياسية في القضية الجزائرية، وقد قال هذه المقولة ليس مجاملة للعرب وليس بناء على أعراف بروتوكولية؛ إنما بناء عن دراية وخبرة في التعامل مع العرب، وديجول هو الرجل الذي قاد مقاومة بلاده في الحرب العالمية الثانية التي تم احتلال باريس فيها من قبل ألمانيا النازية، ويُرجع كثير من الفرنسيين الفضل إليه في استقلال فرنسا حين قال للشعب الفرنسي: (أيها الفرنسيون لقد خسرنا معركة لكننا لم نخسر الحرب وسوف نناضل حتى نحرر بلدنا الحبيب من نير الاحتلال الجاثم على صدره). حتى وإن شكك البعض في نسبة هذه المقولة لديجول إلا أن تركيبة الإنسان العربي تحتوي على تلك المعاني، وتشهد على ذلك كل الأحداث التي مر بها الإنسان العربي والمسلم عبر التاريخ، فلو كان سكان فلسطين على سبيل المثال من قوم آخرين وفُعل بهم كل ما فعلته القوى الإسرائيلية المحتلة بمساندة وتأييد ومحاباة الدول الكبرى لكانت الهوية قد ذابت، ولتبدل شكل الأرض ولغتها وتراثها وحضارتها، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فلم تزد محاولات القهر وطمس الهوية العربية والإسلامية لأبناء فلسطين إلا تمسكاً بعروبتهم وعقيدتهم، ولم تفعل بهم كل القرارات الأممية والحروب الطاحنة التي شنها الكيان الإسرائيلي عليهم على امتداد ما يقارب السبعة عقود أو يزيد إلا أن زادتهم إصراراً على البقاء وتمسكاً بالهوية وتشبثاً بأشجار الزيتون هناك. هذا ما قد لا يوجد في الأمم الأخرى، وقد كان هذا الأمر مثال دهشة وتعجب من الصحافي الأمريكي توماس فريدمان، وسجل هذه الدهشة في كتابه (السيارة ليجساس وشجرة الزيتون) حينما قارن فيه بخبث بين زيارته لمصنع إنتاج السيارات (تويوتا) في اليابان، وإطلاعه على مراحل إنتاج السيارة ليجساس التي تتم كلها عبر الروبوتات، وبين زيارته التالية لأرض فلسطين المحتلة ورأى فيها الإنسان العربي وهو يقاتل من أجل أشجار الزيتون وحبات الرمل المتراكمة في الأرض العربية الفلسطينية، فكان سبب دهشته أنه لا يعرف طبائع العرب، ولا تمسكهم الشديد بترابهم الذي ولدوا فيه وارتباطهم الشديد بأوطانهم واستعدادهم لدفع الغالي والنفيس من أجل رفعتها. البعض منا يقوم بجلد الذات مبينا أن العرب لا يستطيعون فعل شيء تأثراً بالآلة الدعائية الصهيونية التي شوهت الصورة الذهنية للعربي والمسلم حول العالم، وقدمتهم على أنهم مجرد ظاهرة صوتية، وأنهم لا يقرؤون، وإن قرؤوا لا يفهمون، وإن فهموا لا يعملون.. إلى آخر العبارات التي صكها نفر من اليهود لتحطيم الصورة الذهنية العربية لدى أنفسهم وتدمير ذواتهم من أجل أن يفقد العربي الثقة في قدراته الجبارة التي لو وظفت بشكل جيد لكان لنا شأن آخر. مع ذلك فإن كثيرن من العرب ممن تتوافر لهم بيئة النجاح، ليس فقط ينجحون، بل يبدعون ويبرعون في مجالات متعددة، وحينما يوضعون في بيئة التحدي فإن إرادتهم الصلبة تفوق كل إرادة. إن هذه الأفكار ليس من أهدافها بيان أن العرب أفضل الأمم أو أنهم شعب الله المختار، فلكل أمة احترامها وقدرها، لكني أردت إبراز أن هذه الأمة التي قادت الدنيا لقرون خلت لا تعدم مقومات النهوض، يرونه بعيداً ونراه قريباً.