^ لا أحد ينكر أن نتائج انتخابات الرئاسة المصرية صدمت وبشدة المصرين أنفسهم؛ صدمتهم تلك النتيجة التي صنعوها بإرادتهم الحرة! ففي الوقت الذي كانت كل المؤشرات والمتابعين يتوقعون أن تنحصر المنافسة بين المرشحين عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح، وبينهما تحديداً جرت أول مناظرة رئاسية في تاريخ الانتخابات المصرية، لكن شعب مصر الذي صدم العالم بثورة بيضاء في 25 من يناير العام الماضي حملت شعار (عيش.. حرية.. كرامة.. عدالة اجتماعية)؛ صدم العالم من جديد حينما أطاح بكل التوقعات وصعد بمرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي والمرشح المستقل الفريق أحمد شفيق!! يبدو أن المناظرة التي شغلت المصرين لأيام لم تكن في صالح الاثنين، وقد لاحظنا ذلك من خلال ما تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن المفاجأة المدوية هي أن ينال أحد منتمي النظام السابق المركز الثاني بنسبة أصوات بلغت 24%!، الأمر الذي حاول الجميع تفسيره حسب ما يتوافق مع هواه؛ فمنهم من ذهب إلى أن المحسوبين على النظام السابق والمستفيدين منه والتجار ومسؤولين كبار جندوا كل ما يملكون للتحشيد لشفيق وصرفوا على ذلك ملايين الجنيهات خوفاً من المحاسبة أو طمعاً في بقاء الأوضاع على حالها، ومنهم من رد الأمر إلى شعور قطاع عريض من المصريين أن الثورة تعرضت لعملية سطو نتيجة الإحباط الذي رافق تأخر جني ثمارها، كما إنهم يرون تصارع في معسكر الثوار، وغلبة المصالح الخاصة لكثير منهم بدليل عدم اصطفافهم خلف مرشح واحد للثورة، أو حتى مرشح واحد لتيار اليسار، كذلك استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والحاجة إلى رجل قوي!! أضف إلى ذلك تصويت الإسلاميين بكثافة لمرسي على حساب أبو الفتوح الذي يرى كثير من شباب السلفيين أنه لا ينتمي إلى الفكر السلفي، لذلك لم يقوموا بدعمه، خصوصاً أنه أراد أن يظهر نفسه قريباً من كل الأطراف فلم يجد المصداقية والدعم الكامل من الناس الذين لمسو فيه عدم وضوح، خاصة بعد تلك المناظرة الشهيرة وغيرها من المبررات التي لا تلغي نتيجة أكيدة أن الشعب المصري أطاح بكل التوقعات واختارت غالبيته من تريد، والأهم أنه حتى بعد أن توالت ردود الأفعال التي وصف بعضها تلك النتيجة بالفاجعة وإصابة قوى الثورة بالاكتئاب السياسي؛ إلا أن أحداً لم يشككك في الانتخابات رغم وجود بعض الملاحظات والطعون، لكن الكل مجمع على نزاهة النتائج، وهي كما يصفها المصريون أنفسهم المرة الأولى التي تمارس فيها انتخابات حقيقية وتخرج نتائج حقيقية، ولعل في بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة تلخيص واضح لما جرى، إذ ورد فيه (فقد حشد الشعب قواه لهذا العبور العظيم وجاء الدور علينا كجيش للشعب أن نرد له الجميل فساندناه بكل ما أوتينا من قوة ليحقق عبوره ولم ندخر جهداً في حفظ وتأمين ونزاهة وسلامة العملية الانتخابية ساندناه لاختيار رئيسه بمطلق الحرية مهما كان توجهه أو انتماؤه فهو اختيار الشعب وسنسانده للنهاية ليتحقق هدفه). باعتقادي تبقى الآن أمام المصريين المهمة الأصعب وهي قبول نتائج الانتخابات النهائية أياً كانت مخالفة لإرادة البعض، ففي الديمقراطية ليس الهدف الوصول لاتفاق إنما إلى ما يعكس إرادة الغالبية، وعلى الباقين احترام تلك الإرادة دون إثارة أو انفعال لتكون هذه التجربة الأولى في حياة المصرين عرساً ديمقراطياً أخلاقياً، فقد دخل الشعب المصري هذا السياق الذي لم يمارسه من قبل وسيفخر أنه اختار رئيسه وأنه وحده صاحب السلطة، إذ يملك أن يمنحه مدة ثانية أو يودعه بعد أربعة أعوام، أقول هذا الكلام وأنا أقرأ بقلق تصريحات أدلى بها الدكتور محمد البرادعي (إنه إذا فاز شخص من النظام القديم فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلي بداية موجة ثانية من التمرد، وسوف يشعر الناس أن الثورة قد سرقت، وأنهم بحاجة إلى أن يروا وجهاً جديداً)، إن ذلك لو حدث سيذهب بمصر لا قدر الله إلى المجهول، لأنه سيجعل التمرد وغياب الأمن وتكرار الثورات وحتى الفوضى عرفاً سائداً كلما حدث أمر لا ترتضيه جماعة أو فئة وسيغيب الاستقرار وتضيع الدولة ويتضرر الاقتصاد والتنمية وتشل كل نواحي الحياة. إن مصر ولا ريب هي بيت العرب الكبير ورمانة ميزانه، وعودتها لقوتها تعزيز للوجود العربي وحماية للمصالح العربية والإسلامية، فمصر التي في خاطري وفي خاطر كل العرب هي تلك القوية العزيزة بشعبها العربي الأصيل، الذي يستحق فعلاً أن يحيا حياة أفضل وأن يحكمه نظام يليق بعظمته، وعلى المصرين ألا يفوتوا فرصة الظفر بنتائج الثورة حتى وإن لم تكن نتائج الانتخابات الرئاسية موافقة لهوى الجميع لكنها تأسيس لحياة سياسية جديدة، وإن لم يكن الرئيس القادم كما يتمنوه فبإمكانهم أن يأتوا بغيره في الانتخابات القادمة، لكن ضياع التأسيس لذلك وخروج الثورة عن سياقها وضياع تلك التضحيات إن حدث لا يمكن تعويضه أبداً
مصــــــــــر التـــــــــــي في خــاطــــــــري
05 يونيو 2012