تحقيق ـ حسين التتان: بينما كنت أتأمل زحمة المرور في شارع 1895 بمجمع 318 في المنامة كان العضو البلدي غازي الدوسري يعرض علينا شكواه، مستنجداً بنا لتخليصه من مشكلته. كانت المشكلة تخص، في الحقيقة، هذا الشارع بأكمله يشكّل مشكلة للتجار البحرينيين التي تقع متاجرهم عليه ويخافون الخسارة، بالإضافة إلى رواد شارع يلعنون أنفسهم إن مروا فيه ثانية، ومن المؤكد أن هذه هي مأساة قاطني الشارع كله. نحتاج إلى رجال مرور قصة المواطن محمد عبدالرحيم غريبة نوعاً ما، لكنها تحكي الواقع المرير الذي يعاني منه غالبية أبناء الحورة في ذلك الشارع، خصوصاً أصحاب المحال التجارية، فعبدالرحيم هو صاحب (بوتيك) لبيع الملابس الجاهزة يجاوره مكتب للسفر والسياحة الدينية (الحج والعمرة)، وفي كل يوم تأتي الحافلات الكبيرة جداً لتقف ساعات بانتظار تجمع المسافرين، وفي هذه الأثناء يحدث الآتي: تغطي الحافلات واجهة البوتيك والمحال التجارية المجاورة لمدد طويلة جداً، ومن ثم يأتي المسافرون مع أمتعتهم ليجلسوا على بوابة البوتيك، وبعضهم يدخل إلى المتجر المكيف هروبا من الحر، وبذلك يهرب زبائن عبدالرحيم. «هذا يحدث في معظم أيام السنة”.. هكذا قال عبدالرحيم بأسى، وأضاف: خاطبت المرور لكن (عمك أصمخ)، فلم يعيروا مشكلتي أي اهتمام، وحين توجهت للإبلاغ عن المشكلة في مركز الشرطة، كتبوا محضراً بذلك، ومن ثم تمت إحالة دعواي إلى النيابة العامة منذ شهر ديسمبر من العام الماضي، وإلى الآن لم يتغير أي شيء في الموضوع. قاطعه الدوسري قائلاً: انظروا، هذه ليست مشكلة فردية، إنها تخص جميع التجار الصغار في هذا الشارع، بل هي تخص أبناء المنطقة وكل من يريد العبور خلال هذا الشارع، فحين تأتي الحافلات تغلق الطريق، وتعرض هؤلاء التجار للخسارة المؤكدة، وتعطل مصالح الناس ومستخدمي الشارع، وهذا أمر لا يجوز السكوت عليه، لأنه يضر جميع قاطني هذا الشارع، وجميع مستخدميه أيضاً.. ألم أقل لكم إن المرور على الرغم من فداحة هذا الأمر، ليس حاضراً في مثل هذه المواقف؟ لا نريد أن نعلّق كثيراً على هذا الموضوع، بل سنترك لكم الصور، كي تعبر عن نفسها وعما يعانيه المواطنون جراء تلك الحافلات التي لا يحق لها في الأصل دخول المناطق السكنية الضيقة. يا للازدحام الهائل، الآن آخر وقت العصر، هو ليس وقت ذروة على الإطلاق، وليس يوم إجازة رسمية، لكن الشوارع تبدو وكأنها في يوم المحشر، إنه مجمع 308. رجل بحريني، بانت تجاعيد السنون والهموم على وجهه البشوش، إنه ابن ذلك المجمع، الحاج علي عبدالله ترك، وقبل أن أبدأ الحديث معه، تجولت في هذه المنطقة المزدحمة، وعرفت أمراً واحداً، سأناقشه مع العضو البلدي في وقت لاحق، لكن سأخبركم به هنا، وهو أن هذه المنطقة لا يوجد فيها غير مخرج واحد فقط، وهذا يعني أن الازدحامات والكثير من الأخطار لن تنتهي أبداً، إلا بفتح مخرج كان مفتوحاً في الأصل. يقول الحاج ترك: في الحقيقة كان هناك مخرج حيوي للغاية يؤدي إلى شارع 709 والمؤدي إلى منطقة (حورة الحدادة)، ومن ثم يؤدي إلى قلب المنامة، لكن، في لحظة غير محسوبة، تم إغلاق الشارع عبر إنشاء رصيف أبدي، بحجة توفير مواقف للسيارات، على الرغم من أن جميع المواقف هي للأجانب والعمال الآسيويين، وليس للمواطنين نصيب فيها، وحين خاطبنا الإدارة العامة للمرور بذلك، وافقوا واستحسنوا الفكرة، لكن هناك مهندس في إدارة الطرق رفض الطلب، لأننا تعودنا من بعض المهندسين أن يتخذ قراره بصفة شخصية دون مراعاة حاجات المواطنين، إنها المكابرة والعناد. تصوروا أننا لكي نخرج من هذه الأمتار البسيطة (وأشار إلى المخرج الوحيد في المنطقة) نحتاج إلى ما يزيد على النصف ساعة.. نحن خاطبنا المرور بشأن المخرج، ومن ثم رفعنا عريضة أهلية بتوقيع أصحاب المنطقة إلى الجهات المختصة، آملين أن نجد حلاً للمشكلة التي تؤرقنا كثيراً. يرى ترك أن عدم تنظيم الإشارات الخاصة بالوقوف، وعدم تحويل الطرق الضيقة ذات المسارين إلى مسار واحد، وكذلك غياب الرقابة المرورية من خلال عدم وجود رجال المرور في المنطقة، على الرغم من احتياجنا لهم خصوصاً في المساء، وأيضاً في عدم إنشاء مرتفعات في طرقات المجمع، الذي يكتظ بالأطفال كل حين، هذه كلها هواجس تتعلق بوزارة الأشغال والإدارة العامة للطرق، طرحها لنا ترك، ومجموعة من الأهالي، كانوا يتحدثون معنا، علَّنا نوصل رسالتهم إلى الجهات المختصة. قضاياها على الطبيعة ما تقشعر له الأبدان وما يرفع الضغط، هو أنك تقطن منطقة لا تجد موقفاً لسيارتك فيها، حتى لو بقيت منتظراً في شوارع الحورة والقضيبية أكثر من خمس ساعات متواصلة، فلن تجد موقفاً لسيارتك. إنها أزمة مواقف السيارات في الدائرة الأولى بالعاصمة المنامة. طلبت من صاحبي أن نتجول في المناطق المكتظة بالسكان، لأرى طبيعة مواقف السيارات. ونحن في الطريق، أخبرني العضو البلدي، أن مشكلة مواقف السيارات في الدائرة الأولى، هي مشكلة المجمعات كلها وليس مجمعاً بعينه. أوقفني العضو البلدي إلى جانب أرض كبيرة تتسع لنحو 90 سيارة، فما هي قصتها؟ يقول الدوسري: هذه أرض تملكتها البلديات، وعدلت أرضيتها وزارة الأشغال مشكورة، وقريباً ستجهز، لكنها على الرغم من مساحتها الكبيرة فهي لا تتسع لأكثر من 90 سيارة، مع العلم أن أعداد قاطني هذه المنطقة كبيرة جداً. تعطي البلدية رخص بناء للعديد من العمارات والمنازل، من دون أن تلزمهم ولو بقوة القانون والنظام بوجوب إنشاء مواقف لسيارات قاطنيها، وحين نتحدث عن موقف السيارات الذي امتلكته البلدية، فإنها تنتظر أن تعطيها لمستثمر كبير كي يستثمرها، لكن الدوسري يقول: لماذا لا تستثمر البلدية هذه الأرض؟ ولماذا تنتظر أن يأتيها مستثمر من هنا أو هناك؟ ويضيف: إن البلدية اليوم لا يمكنها أن تتملك أراضٍ في هذه المنطقة لأجل تخصيصها كمواقف للسيارات، وذلك بسبب شح الأراضي وارتفاع أسعارها من جهة أخرى. هي خطوات بسيطة تفصلنا عن أحد الشوارع المهمة في العاصمة المنامة، ألا وهو شارع عبدالرحمن الداخل. في هذا الشارع سنقف عند ثلاث قضايا مهمة للغاية. الأولى هي حديقة الخيام، إذ وقفت بجانب أرض خربة لكنها مسوَّرة، لها رائحة الموت وشكل المقابر، حينها سألت الدوسري، هل هذه حديقة؟!!، قال نعم، وكالعادة سألته ما قصتها هي الأخرى؟ قال : رستْ مناقصة تطوير حديقة الخيام، على أحد المقاولين منذ نحو 6 أشهر، لكن المقاول لم يحرك ساكناً ليبدأ بتطويرها، لكن (العداد يحسب) من ميزانية الدولة، وفي كل يوم تطلع علينا البلدية بأعذار واهية، لأنها لا تريد أن تحرك ساكناً لأجلها، وحين واجهتهم وسألتهم عن تطورات هذه الحديقة، أخبروني أنه لا توجد تطورات في هذا الملف. أما الأمر الثاني، فهو عمارة مقابل حديقة الخيام.. عمارة عملاقة شاهقة تحت الإنشاء، وهي مشروع استثماري لجهة حكومية هي شركة (إدامة)، والمشروع هو مبنى ضخم يقع في قلب القضيبية بالمنامة، ويحتوي على 6 أدوار كبيرة، ويضم 92 شقة. قال عنه الدوسري: حين عرف أهالي المنطقة أن هذا المشروع هو مشروع حكومي، طلبوا مني أن أكلم الجهات المختصة، بتمليك شقق المشروع لأهالي المنطقة، خصوصاً إذا ما عرفنا، أنه من المستحيل أن ينشأ مشروع سكني في دائرتي، وذلك لعدم وجود أراض فارغة، ولو صغيرة فخاطبت الديوان الملكي بهذا الشأن، لكنني لم أحصل على أي رد منهم، سلباً أو إيجاباً. قلت للدوسري، قف قليلاً، فأنا لا أجد في شارع عبدالرحمن الداخل شارعاً، بل أراه أرضاً بوراً، فأخبرني أنه في أكثر من مكان ومحفل، طالب الجهات المختصة بتطوير هذا الشارع ورصفه، لأن الكثير من الفنادق الكبيرة والشقق السياحية المفروشة والمطاعم تطل عليه، ناهيك عن آلاف السياح الذين يمرون فيه كل ساعة، فلماذا أهملت وزارة الأشغال العمل على تطويره، على الرغم من أنه واجهة للسياح العرب والأجانب؟. يقول الدوسري مجيباً: حين خاطبت الأشغال بشأن تطوير شارع عبدالرحمن الداخل، قالوا إنه قيد الدراسة، وحين نفد صبري، توجهت إليهم مباشرة لمعرفة حقيقة مماطلتهم، وهناك، كل قسم يرمي هذا الشارع المسكين على القسم الآخر. انتهى كلام الدوسري والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل من المعقول أن تتجاهل الجهة المختصة تطوير شارع سياحي حيوي يَبِيْض لاقتصاد البلد ذهباً؟!! شارع المعارض منْ منَّا لا يعرف شارع المعارض؟ بل منْ مِنَ السياح والضيوف الكرام، من لا يعرف هذا الشارع الذي ذاع صيته في العالم كله؟ أنا الآن أقف على أرضه مع العضو البلدي، فهو أحد الشوارع التي تفيض حيوية وحركة، لكنه يفتقر إلى التشجير والكثير من الجماليات الفنية ليخرج من إسمنتيته وجفافه، وهذا ما نلاحظه في جميع دول العالم تجاه شوارعها الحيوية والسياحية. يرى الدوسري أن أصحاب المباني والمحال التجارية التي تطل على شارع المعارض، لا يهتمون بطلاء مبانيهم بطريقة تضفي عليه لمسات جمالية وفنية، وبعضها اليوم يبدو متهالكاً ولا يرممها أصحابها أو يعتنون بها، وهذا يُسيء إلى سمعة المناطق السياحية في البحرين. يقول البلدي: خاطبنا البلدية مرات عدة فيما يخص تشجير الشارع بأكمله، لكننا لم نجد الآذان الصاغية لنا، وعليه توجهنا إلى شركة (ألبا) لتشجير شارع المعارض، وهناك خاطبنا أحد المسؤولين فضربنا معه موعداً، بعد أن رحب بفكرتنا وبِنَا. طلبت من الدوسري، ونحن في شارع المعارض، أن ننعطف شرق الشارع، فهنالك حديقة كبيرة أريد أن أعرف مصيرها هي حديقة “الباورة”، التي صدمت وأنا أرى أنها لم تكن لها أي علاقة بالحدائق والخضرة، فعجبت من الأمر، وعجبت أكثر حين عرفت الحكاية. يقول الدوسري: “الباورة” من الحدائق التي كانت مشهورة في هذه المنطقة، وكان فيها مقهى يقصده السائحون العرب والأجانب، لكن بسبب إهمال الجهة المختصة الذي امتد إلى أربعة أعوام متصلة، تحولت “الباورة” إلى أرض بوار. أهملت الحديقة مع أشجارها الكبيرة، حتى صارت حديقة أشباح مخيفة، وعندها جاء أصحاب السوابق وأهل المخدرات يعيثون فيها فساداً عند منتصف الليل وقبله، حين تحولت إلى وكر من أوكارهم بسبب إهمالها، لكن بعد أن اشتكى العديد من أهالي المنطقة من وضعها غير الأخلاقي، وبدل أن تفكر البلدية بتطويرها، أزالت جميع أشجارها، وها هي اليوم أرض قاحلة ماحلة بيداء جرداء صحراء. نعم، هي أرض قاحلة بمعنى الكلمة، فحالها يرثى لها، والفنادق السياحية الكبيرة تطل عليها من كل جانب، وهذه حال معظم حدائق العاصمة. خرجنا من الحديقة، لكننا بكل تأكيد لم نخرج من الدائرة الأولى، فما زال الليل طفلاً، ومازال الحديث لم ينته، فهو ذو شجون.
معانـــاة الحـــــورة والقضيبية تختــــزل في شــــارع!
05 يونيو 2012