^ اكتشفنا بعد أعوام متنطحة من الزمن المدني الحديث، وبعد دخولنا القرن الـ21 أن هنالك كثيراً من أبناء هذا الوطن كانوا يعملون لصالح ومصلحة طائفتهم وجماعاتهم وتياراتهم السياسية والأيديولوجية، ولم يكن يهمهم يوماً من الأيام مصلحة بقية فئات وطوائف المجتمع في البحرين. هذا المعنى ذكرتُهُ قبل أكثر من ثلاثة أعوام مضتْ في أحد مقالاتي هنا، لكن اليوم يتجلى هذا المفهوم بأقبح صوره ومعانيه، حين تقوم بعمل جرد بسيط لهوية العاملين في القطاع العام وبعض العاملين في القطاع الخاص. حين كنتُ أتحدث مع زميلي الصحافي العزيز (أبو زمن) عن مفهوم الانتماءات والوحدة الوطنية، أكد لي أنه لا يفضل تمرير مصطلح (مكوِّنات)، هذا المصطلح الذي يراه زميلي (أبو زمن) متداول بشكل سلبي في مجتمعاتنا الخليجية، لأنه يعتقد أن المجتمع واحد لا يمكن أن يتكون من مُكوِّنات أو كانتونات مجتمعية، وأن تداول هذا المصطلح على الصعيد الثقافي أو على لسان كثير من المثقفين أثر بطريقة سلبية على الممارسات الديمقراطية وعلى وعي المجتمع في كونهم أكثر من مكوِّن، بينما الأصل يقول إن الدولة لها مكون واحد هو الشعب. لا يحدث التقسيم الطائفي من خلال سلوك فرد أو حتى جماعة، كما إنه لا يمكن أن يحدث خلال عام أو عامين، إنما يحدث كل ذلك الإعصار المدمر من خلال نتاج سلوك مجتمعي يدور بين عجلتين اثنتين (الدين والسياسة). لا يمكن أن يكون الإنسان الذي لم يُبتلَ بالسياسة وانتماءاتها أو أنه لم يُدنس نفسه بالدين السياسي، بكل فروعه وتفرعاته ودكاكينه، إلا أن يكون إنساناً طاهراً، والأهم من ذلك أنه لا يمكن له أن يكون طائفياً، لكن ألم تلاحظوا معي أن هذه الفئة انقرضت من مجتمعنا أو أنها على وشك الانقراض؟. الوظائف والسيارات والبشر والمحال التجارية والمساجد وكل ما يدب على هذه الأرض، أصبح إما (....) أو (....)، ومن لا يقبل لنفسه أن يقع فريسة هذا التصنيف يشعر بالغربة في وطنه!!. ماذا يفعل الإنسان الذي لا يرتضي الطائفية مذهباً له ولعياله؟ ما هو مصير الرافض لهذا التقسيم المريض الذي يعود للقرون الوسطى، وكيف له أن يتعايش معه ومع مرضاه؟ هل سيستمر هذا المسلسل التاريخي الذي ابتدأ مع الصراعات العقائدية بين الأشاعرة والمعتزلة، ومع حروب خلق القرآن الكريم، أم أنه سينتهي مع صحوة شباب هذا العصر الذي اتَّسَم بالعلم والمعرفة وغزو الفضاء؟ هل سنظل نقرأ الكتب القديمة التي تَقْطُر بالثارات والعداوات والصراعات المذهبية إلى آخر يوم في حياتنا، لنشيِّد وجودنا على ضوء نتائج تلك الأحقاد، أم سنبدأ بتمزيق كل الكتب التي مزقتنا لنعيش معاً حياة حرة كريمة مستقرة؟. لا خلاص لوضعنا الراهن إلا من خلال التحرر من نزاعاتنا التاريخية والمذهبية السخيفة، ولا نجاة لأمتنا إلا من خلال الأخذ بالعلم والمعرفة والنظر إلى المستقبل، كما تفعل بقية شعوب العالم، أما استحضار كل المشاهد والوقائع التاريخية وكأنها حصلت بالأمس القريب، فإن الأمة كل الأمة ستسدد فاتورة جماعات بشرية خَلَت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، لكن سدادها هذه المرة ستكون قيمته الدم الذي كلما سَاْلَ سالت معه دماء الكثير من المسلمين. إن ما يقوم به بعضنا، هو أقرب إلى الكفر منهُ إلى الإسلام، فالإسلام أكبر من أن يشجع فينا الطائفية والأحقاد المذهبية، إنه رسالة الله وعقيدة الإنسان وتبليغ الأنبياء، إنه دين الرحمة.
أقرب إلى الكفر
05 يونيو 2012