قالت وزيرة الدولة لشئون الاعلام سميرة رجب إن من حقّ مملكة البحرين أن تحمي نفسها من وسائل الاعلام وشبكات الاتصال الداخلية والخارجية التي لا تحترم القوانين أو تمثّل خطرا على أمنها الوطني, سيما وان جميع الدول الغربية والديمقراطية التي تنادي باحترام حرية الرأي والتعبير وتجعل من هذا المبدأ رسالتها العليا وإحدى رهانات تعاملاتها مع الدول النامية، تضع القيود الاعلامية اللازمة للدفاع عن أراضيها وأمنها القومي.وقالت وزير الدولة لشئون الاعلام في كلمة امام مؤتمر "أمن الخليج العربي الحقائق الإقليمية والاهتمامات عبر الأقاليم" الذي بدأ أعماله في مملكة البحرين صباح اليوم الثلاثاء بتنظيم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة , بالتعاون مع المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية والأمنية بفندق سوفتيل بالبحرين، انه إذا ما رجعنا إلى الأحداث المؤسفة التي عاشتها مملكة البحرين في الفترة السابقة، نلاحظ بكل قوّة الاستخدام السيء للحق في استخدام المعلومة وبصورة عامة وسائل الإعلام والاتصال من قبل مجموعات معيّنة تعرّف بنفسها على أنها من المدافعة عن حرية الرأي والتعبير.وأوضحت بن رجب إن ما شهدته المملكة في هذه الفترة ، لا يعدو أن يكون سوى حربا إعلامية واتصالية ذكية استخدمت فيها جميع أدبيات الكذب والافتراء، ومورست بأساليب محترفة وبدعم لوجستي من الوزن الثقيل.واضافت انه وبما أن الثورة الرقمية الجديدة تعتمد على الصورة في الإقناع، فقد وقع استخدام مسارح تمثيل وإنتاج متعدّدة، أضيفت إليها لمسات إخراج " ألفريدية وهتشكوكية " للتأثير وإقناع العالم بالتعدّي الصارخ على حقوق المواطنين وقمعهم، إلاّ أن صور رجال الشرطة المصابين والضرر الجسدي الذي لحقهم من جراء قنابل المولوتوف والسيلندر محلي الصنع، رغم ضبطهم للنفس واتباعهم لقواعد السلوك الأمني، قد أسقط الستار على هذه المسرحيات الزائفة.وأكدت بن رجب ان التهويل في عدد الضحايا خلال الأحداث، كان من بين الاستراتيجيات الإعلامية الناجحة التي وقع اعتمادها، فقد أضيف إلى قائمة الضحايا من مات بالسكلر (وهو مرض وراثي كثير الانتشار في المملكة) ومن مات موتة طبيعية، ومن مات في حوادث المرور والغرق وغيرها, وكأن للحكومة دور في إرغام زواج الأقارب أو مسؤولية في قدر الله.واضافت انه كان لعدم الدقّة في نشر الأخبار والمعلومات النصيب الأكبر في هذه الحرب الإعلامية الموجهة، والأغرب في هذا الأمر أن الصحيفة التي ثبت إدانتها في هذا الاتجاه من قبل المحكمة، وقع تكريمها من قبل بعد الهيئات الصحفية الدولية، ممّا يطرح أكثر من سؤال حول القيم الجديدة التي أفرزها عالم الفوضى الجديد والدور الجديد الذي تلعبه هذه المنظمات والهيئات الدولية.وأوضحت بن رجب ان نصيب الاسد في هذه الحرب الإعلامية الخاسرة جاء عبر القنوات الفضائية الطائفية التي نسيت تغطية الأحداث الداخلية المزرية لشعوبها، واتجهت لمملكة البحرين فحوّلت الطبيب إلى مراسل حصري لقناتها، والمواطن البسيط المغلوب على أمره إلى شاهد عيان لأحداث لم يرها ولم يعلم عنها .ولفتت الى إن الاستخدام الموجه لشبكات التواصل الاجتماعي في تلك الفترة لم يكن عفويا بل وقع استخدامه كإحدى وسائل الاتصال الالكترونية، ضمن حرب إعلامية ونفسية موجهة من أطراف خارجية، ما أرادوا الخير يوما لهذه الأرض, استخدام هذه الشبكات الاجتماعية جاء ليُكمل مجموع الأسلحة المختلفة التي وقع استخدامها لتشويه صورة هذا البلد الجميل وصورة شعبه الطيب المسالم.ونوهت بن رجب الى ان شبكات التواصل الاجتماعي عملت في فترة الأزمة، وعلى رأسها تويتر وفيسبوك ويوتيوب، بكامل طاقاتها، وسرّبت المعلومات المسمومة والأفكار المغلوطة والصور المزيفة والافتراءات الباطلة، لتكون أشبه ما يكون باستعراض لأفعى سامة ترقص وتعضّ من كل صوب وفي جميع الاتجاهات، بدون أن تعرف ضالتها , كما كانت شبكات التواصل الاجتماعي، مسرحا لقذف وسبّ الأشخاص وهتك أعراضهم، والمسّ من رموز الدولة، وهي جريمة يعاقب عليها القانون في جميع دول العالم بما في ذلك الدول الاكثر ديموقراطية. فيكفي أن نشير إلى أن المادة 26 من قانون الصحافة الفرنسي تجرّم أي وسيلة إعلام مهما كان نوعها تتسبب في قذف رئيس الجمهورية، باعتباره رمزا للدولة.وقالت بن رجب إن أبرز مثال على التضييق في الحريات لصالح الحفاظ على الأمن القومي، هو القانون المثير للجدل الذي صادق عليه الكونجرس الأمريكي سنة 2001 ("Patriot Act", 8 U.S.C.A. 1226a). هذا القانون الذي سمي بقانون مكافحة الإرهاب، قد أعطى الحق للشرطة الفيدرالية الأمريكية بمراقبة جميع الرسائل الالكترونية والاحتفاظ بسجلات المواقع الالكترونية التي وقعت زيارتها من قبل أشخاص مشبوهين بالاتصال بقوى خارجية. واضافت انه رغم أن هذا القانون يتصادم مباشرة مع البند الأول من الدستور الامريكي الذي يضمن حرية الرأي والتعبير، فإن فلسفة الحفاظ على الأمن القومي هي التي سبقت الحرية، لأنه وقع اعتبار مبدأ أن "لا حرية بدون أمن".واضافت قائلة كما اقترحت الحكومة البريطانية مؤخرا مشروع قانون يفرض رقابة صارمة على وسائل الاتصال، وذلك بهدف تسهيل مهمة الشرطة وأجهزة المخابرات من التنصت على المحادثات الهاتفية ورسائل البريد الالكتروني، ومعرفة أرقام الهواتف وعناوين البريد ومحتوى صفحات الإنترنت التي تقع زيارتها من قبل المستخدمين وغيرها من الأنشطة الإعلامية والاتصالية عبر الشبكات حيث ينص مشروع القانون بالتحديد على "ضمان قدرة السلطات على الوصول إلى المعلومات الحيوية في وجود ضمانات صارمة من أجل الصالح العام".وتابعت قائلة انه رغم أن هذا المشروع قد قوبل بالنقد الحاد من قبل المدافعين على حرية الرأي والتعبير وحتّى من بعص أعضاء الحكومة الائتلافية نفسها، إلاّ أن ردّ المدافعين عن هذا المشروع كان إنه "الضرورة لمجاراة التطور التكنولوجي وتمكين أجهزة الأمن من صدّ التهديدات التي تواجه بريطانيا". كما تقول السلطات بأن القانون الحالي الذي يرجع لعام 2000أصبح غير مجهّز لمتابعة شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة.وأضافت بن رجب انه وفي نفس السياق، شهدت فرنسا أشهر مثال على هذه الممارسات، وهو إيقاف الصحفي غيوم باسكيي (Guillaume Pasquié) الذي وقع إيقافه من منزله والتحفظ عليه واتهامه بنشر مقال في جريدة لوموند اليومية يحتوي على معلومات كانت بحوزة جهاز المخابرات الفرنسي قبيل أحداث 11 سبتمبر 2001, وقد وقع استجواب الصحفي من قبل حاكم التحقيق بخصوص مصادره , مشيرة الى انه كان هناك جدل كبير بين المدافعين عن حرية الصحافة، في حين جاء موقف السلطة التنفيذية مستهزئا ومعتبرا الصحفيين "متكبّرين، يعتقدون أن كل شيء مسموح به من خلال بحثهم عن المعلومات" وينسون مسائل حيوية مثل الأمن القومي ,وتابعت ان فرنسا شهدت مثالا آخر في نهاية شهر مارس الماضي، إذ طلبت السلطات الفرنسية، شركة فيسبوك أوروبا، إغلاق صفحة تشيد بالمشتبه به في قتل سبعة أشخاص في مدينة تولوز الفرنسية والمدعو محمد مراح. وكان الموقع يحتوي على رسالة تحية لمحمد مراح ويضم تعليقات مناهضة لرجال الشرطة في فرنسا والمؤيدة للإسلام المتشدّد. وقد سجّل دخول 500 معجب قبيل إغلاق الموقع.وأكدت بن رجب ان هذه الحادثة ذات دلالة لأن فرنسا الدولة الديموقراطية المحترمة لحقوق الإنسان والحريات العامة، اعتبرت أن صفحة الفيسبوك هذه تمثّل خطرا على السلم الاجتماعي، باعتبارها وسيلة اتصّال تشجّع على العصبية والتشدّد وزيادة التطرف. وبالتالي رأت من الصالح العام أن يقع حجبها رغم أن البعض يرى أن في هذا الإجراء مسّ بحرية الرأي والتعبير.وأوضحت ان قضية ويكيليكس عام 2010مثّلت أكبر قضية عالمية مثيرة للجدل حول الحدّ الفاصل بين الحق في الإعلام من جهة، وحقّ الدول في الاحتفاظ بسرية بعض المعلومات، من جهة ثانية. تتمحور هذه القضية حول مزاعم مؤسس موقع ويكيليكس المتخصص في نشر المعلومات الاستخباراتية والتحليل السياسي، جوليان أسنج، أن نشره لمئات الآلاف من الوثائق السرية حول الحرب على أفغانستان كانت ضرورية، لأنها تثبت وقوع جرائم حرب من قبل الائتلاف الدولي، في حين أن الإئتلاف وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبر أن تسريب هذه المعلومات من شأنها أن تعرّض الأمن القومي الأمريكي للخطر.واضافت قائلة انه أمام هذه الأمثلة الحيّة، كيف لا يمكن لمملكة البحرين أن لا تتخّذ الإجراءات الصارمة أمام صانعي الأكاذيب والافتراءات، وأن لا تقدّم الجزاءات اللازمة لحماية الوطن من وسائل الإعلام والاتصال المغرضة التي لا تتوارى عن بثّ سمومها وتزيد من الفرقة بين أبناء الشعب الواحد.وقالت انه لا يمكن في الوقت الراهن لأي بلد مهما كان حجمه العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، أن يغفل عن الدور المحوري الذي تلعبه وسائل الإعلام والاتصال داخل المجتمع أو في تفاعله مع المجتمعات والدول الأخرى.ونوهت الى انه يبدو أن المشهد الإعلامي العالمي، ومن ورائه المشهد الاقتصادي والتكنولوجي العالمي، قد تطوّر من حالة "الضبطـ" النسبي، التي كانت تسيطر فيها وسائل إعلام ووسائل إنتاج تعمل ضمن أطر قانونية ومعايير مهنية واضحة أو أقل ما يقال عنها شبه منظمّة، إلى حالة جديدة تتماشى مع ملامح عالم جديد وإعلام جديد، أقل ما يقال عنه أنه يتّسم ب"الفوضى". هذا العالم الجديد يبشّر بفلسفة "اللاحدود"، من خلال فضائيات بلا حدود، وإنتاج بلا حدود، وتوزيع بلا حدود، واقتصاد بلا حدود، وفضاء ثقافي بلا حدود، وحريات بلا حدود، وثراء بلا حدود، وفقر بلا حدود.. وعالم خال من الحدود. هذه الفوضى الجديدة المتوفرة على الأرض تتلوها فوضى مشابهة في السماء، يجسّدها الحضور المتنامي لأقمار الاتصالات والأقمار المتحركة وأقمار المراقبة والرصد.واشارت الى ان معظم الباحثين في العلوم السياسية والعلوم العسكرية وعلوم الإعلام والاتصال يتفقون في أن المعلومة هي الرصاصة الأولى التي يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة، أو المسكّن الأول الذي يمكن أن يساهم في توقيع معاهدة سلام دائمة. ويقع أيضا اعتبار وسائل الإعلام والاتصال، "القوات الخاصة النفسية والدعائية" التي تناور وتعزّز صفوف الجيوش. كما أنه في أغلب الأحيان لا حاجة لجيوش على الأرض، في ظل وجود أسلحة إعلامية واتصالية يمكن أن تحسم الحروب قبل بدايتها أصلا.ونوهت بن رجب الى اننا نعيش اليوم مع نوع جديد من الأسلحة، / نوع جديد من النفوذ اللامادي / ولكنه في بعض الأحيان أفتك من النفوذ المادي، لأن استخدام الأسلحة المادية يمكن تقنينها بسهولة، لكن استخدام سلاح المعلومة، أصبح يصعب تقنينه، وحتّى إن قُنّن، فيمكن أن يتحوّل بكل سهولة إلى حصان طروادة لمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن حرية الرأي والتعبير.