قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية اليوم الاثنين إن سوء التنظيم الإداري الحكومي في الملف الاقتصادي الإيراني، والعقوبات الدولية عليها بسبب ملفها النووي جعلانها حاليا على حافة موجة موحشة من التضخم، كما يقول علي أحد تجار الفاكهة بأحد أسواق العاصمة حيث تعاني تجارته من الكساد منذ عدة أشهر.فمن ينظر إلى بضاعته الفخمة سيقول إن هذا الرجل من الأثرياء، لكن في الواقع فإن القليلين للغاية من الناس يقفون عنده للشراء، ما يعني أنه يعاني بشدة، لأنه لم يعد أحد في إيران الآن لديه المقدرة المالية على شراء مثل هذه الفواكه الفاخرة، ويعلق علي بالقول "لم يعد أحد لديه القوة الشرائية القادرة على أن يدفع ما يعادل 15 دولارا لشراء هذا الأناناس مثلا.لكن علي لا يشكو لأنه يعمل من الناحية الأخرى في تجارة العملة، و يقول إن الدولارات التي اشتراها هي بمثابة ربح بالنسبة له.وجاء تطبيق العقوبات الدولية الاثنين والتي تهدف لإيقاف تصدير النفط الايراني، وهو المصدر الرئيس لدخل البلاد. إضافة إلى ذلك فإن "الريال" وهو العملة الوطنية خسر نصف قيمته العام الماضي أمام العملات الأخرى، مما جعل أسعار السلع الاستهلاكية ترتفع لأعلى بسرعة رسميا بمقدار 25%، سنويا غير أن الاقتصاديين يقولون إن النسبة أكثر من هذا بكثير.ولأول وهلة في طهران يبدو السياسيون والاقتصاديون وهما عصب الأمة يربحان من هذا المشهد المتناقض على المدى الطويل، ففي المدينة التي بيعت فيها سيارات البورش الفاخرة أكثر من أي مدينة شرق أوسطية أخرى العام الماضي تبدو مواقف انتظار السيارات في حالة إصلاح وتجديد سريعين، كما أن أنوار الشوارع نادرا ما تخرب ومحلات السوبر ماركت وأسواق البضائع تمتلئ عن آخرها بالمنتجات المستوردة والشحاذون نادرا ما نجدهم في الشوارع.لكن قدرة ايران على بيع نفطها رغم العقوبات وانهيار احتياطات النقد الاجنبي وسياسات الرئيس نجاد المتذبذبة اقتصاديا وسياسيا كلها تخلق مناخا يبحث فيه المواطنون والبنوك ورجال الأعمال ومؤسسات الدولة عن مصدر إعالة لهم.ويبرر حسين رجفرار الاقتصادي بجامعة الزهراء ما يحدث بالقول: الحقيقة أن مبيعات سيارات البورش هذه تعبر عن ان بعض الناس يربحون من سوء الوضع الاقتصادي، فالكل يسارع الى ابتكار ما يأتي إليه بدخل إضافي والكل يتفنن في هذا، والبعض مثل علي تاجر الفاكهة وهو لم يعط اسمه الكامل يلجأ إلى تغيير ما لديه من ريال مقابل الدولار الامريكي او العملات الاجنبية الأخرى بأسرع ما يمكن، وبالنسبة لمستثمرين آخرين لديهم طرق أخرى فإنهم يلجؤون للاستثمار بدفع المال نقدا مقابل شراء الأراضي والشقق السكنية أو اللوحات الفنية أو السيارات أو الأرصدة الأخرى التي سترتفع قيمتها مستقبلا كلما انخفض سعر الريال.أما من في الجانب الخاسر ففي كل يوم لديهم أنباء أسوأ، فالأسعار ترتفع مما يجعل زيارة سكان أهالي طهران إلى الأسواق ومحلات السوبر ماركت المجاورة تجربة عصيبة لا يريدون تكرارها كثيرا، فأسعار الخبز على سبيل المثال ارتفعت 16 مرة منذ رفع الدعم الحكومي عنها في العام 2010.ويقول درويش نامازي (50 عاما) وهو صاحب مكتبة، "إن حياتي أصبحت مثل من يسبح في حمام ممتلئ عن آخره، وهذا الرجل ظل يدخر لسنوات ليتمكن من شراء شقة سكنية، ولكنه وجد أن مدخراته انهارت قيمتها للنصف بسبب التضخم ومازالت تنهار، ويصف الموقف "لقد أزلت بعض المعوقات لكني الآن أشعر بأنني أسقط وأتعمق وسط الماء".ويقول محللون اقتصاديون إن العقوبات الغربية أصابت الاقتصاد المحلي، خاصة عندما منعت إيران من تكوين احتياطي من العملات الاجنبية والتي تستخدم غالبا لإنقاذ الريال. ويتفق الاقتصاديون الآن على أن أكبر خسارة للاقتصاد تكمن في التضخم المحلي، مذكرين بأن حكومة أحمدي نجاد أخذت تنفق بلا حساب بعد أن بدأت عائدات النفط تتراجع منذ عام 2005 حتى الآن فقد اشترت الحكومة بضائع كثيرة من الخارج مما اجبر العديد من المنتجين المحليين على تسريح العمال وإغلاق المصانع ونتيجة لهذا أصبحت إيران الآن ضعيفة أمام العقوبات الاجنبية، وتقول الحكومة إن الشركات التي ساعدت على إنتاج البضائع التي حلت محل تلك التي توقفت بسبب العقوبات قد توقفت عن العمل، كما أن مالكيها وجهوا أموالهم إلى المضاربة وبيع وشراء العقارات والتجارة في العملات الأجنبية أو المواد الخام. وقرب المدينة الصناعية باكداشت خارج طهران تبدو اسوار المصانع المتراصة جنبا الى جنب بلا حركة في شمس الصيف المحرقة وعلى أبوابها أقفال حديدية ضخمة، بينما على مقربة تبدو شاحنات تركية متعددة وقد علاها التراب الكثيف ولم تعد هناك باصات تجلب العمال في دورياتهم المعتادة، وبدلا من أصوات المصانع المعتادة فإننا نلاحظ على مسافة غير بعيدة الكلاب رابضة بنفس المكان.وفي واحد من المصانع التي لازالت تعمل يقول منوشير (60 عاما) وهو مهندس تحول الى صناعي، بأنه من عقد واحد فقط كان امتلاك المصانع في ايران لا يعني فقط دخل مضمون، وإنما حياة اجتماعية مرحب بها كصاحب عمل وكشخص يبني مستقبل إيران.لكن في هذه الأيام، وعلى حد قوله هي تعني أنك تخسر، فالعمال الذين يرتدون اللون الأزرق يتوجهون الى مكتب المدير ربما خوفا من أن يتم إغلاق المصنع اليوم التالي، ويضيف انه مسؤول عن هؤلاء الناس وقد رفض منوشير الكشف عن اسمه بالكامل او اسم مصنعه لأنه يبيع منتجاته الى شركات حكومية.ويضيف أن العمل سيء للغاية، نظرا لأن الشركات الحكومية لم تدفع الفواتير لستة اشهر "ألوم نفسي، لأن العمل في المضاربة كان باستطاعتي، فعائلتي وكل زملائي بالعمل كانوا سيصبحون أغنياء الآن لو كانوا قد تاجروا في المباني والأراضي والعملات الأجنبية.وبالنسبة لجيش العاملين بإيران وحتى بالنسبة للوظائف الحكومية لم يعد الأمر مضمونا الآن ففي يوم الخميس الماضي اعترف مسؤولون من مؤسسة حرس الثورة الاسلامية، وهي إحدى مؤسسات النخبة بالبلد في مقابلة مع المطبوعة الجديدة الصادرة عن مؤسسته صبح وسديج، أن الحكومة تأخرت في صرف مستحقات الجنود.وسارعت الحكومة والقانونيون إلى إلقاء اللوم على الغرب في متاعب إيران والأسبوع الماضي اتهم رئيس البرلمان علي لاريجاني إدارة أحمدي نجاد بالفشل في أخذ خطوات لتحديد "سياسات الاعداء".ويعتقد كثير من الاقتصاديين ان إيران ستظل تعاني من مشكلة تضخم حجم الإنفاق النفطي والدعم الضخم الموجه للغذاء والجازولين والمواد الأخرى البسيطة التي تشجع على الاستهلاك الزائد عن الحد، مما يؤدي إلى تآكل ثابت في القاعدة الصناعية للبلاد.
International
نيويورك تايمز: إيران على حافة موجة موحشة من الفقر
02 يوليو 2012