كتبت - شيخة العسم: شيرين فتاة حوَلت قصة بائعة الكبريت الشهيرة لنسخة عربية تجري فصولها على أرض البحرين، غير أنها هذه المرة لا تبيع الكبريت بل تغسل السيارات. فتاة في الـ22 ربيعاً تقوم بأعمال ليست لها صلة بالفتيات, مرة تشتغل في الصباغة وأخرى في النجارة، وأخيراً في غسل السيارات بالشوارع، بعدما تبخر حلمها بأن تكون لاعبة كرة يد. فجأة وجدت شيرين نفسها مسؤولة عن 3 إخوة وأم فلبينية مريضة, بعد انفصال والدها العربي عن أمها حين كانت تدخل عامها السادس عشر. غرفة نوم واحدة وصالة تأويهم جميعاً في شقة إيجارها 150 ديناراً, ولا دخل حتى لتأمين الإيجار. أي طفولة؟!« في طفولتي أخذوني عنوة وأبعدوني عن أمي لأن ظروفنا كانت صعبة، فوالدي لا يملك جواز سفر ولا عمل مستقراً لديه، ولهذا اضطر لإبقائي وأختي شيماء لدى جدتي وعمتي (..) كانت سنين قاسية ومرة» تقول شيرين بحرقة، ثم تغالب دمعتها وهي تتحدث عن سنوات تسع قضتها وسط «الجفاء والقسوة» في بيت جدتها. وبعد أن عادت شيرين إلى حضن أمها، كان والدها تزوج بأخرى، فبدأت معاناة أخرى اسمها «لقمة العيش».إيجار الشقة، مصروفات دراستها وإخوتها، تأمين المأكل والمشرب، أطراف معادلة شكلت كابوساً يومياً للفتاة. بدأت بيع طعام كانت أمها تعده. «كان ربحي من بيع الطعام لا يجاوز 300 فلس لكني شعرت بالفخر (..) كنت أحمل الأطعمة على ظهري وقت الظهيرة رفقة أخي الصغير. لم أنتظر شفقة أو زكاة من أحد». حاولت شيرين الإفادة من شهادتها الثانوية عبر إعطاء دروس خصوصية, تنتهي بقدوم الصيف الصعب والشاق, «حاولت الحصول على وظيفة في شركات كثيرة دون جدوى (..) قررت أن أقاوم. ارتديت ملابس تخفي أنوثتي وبدأت أغسل السيارات». في ضحكة شيرين شيء يشبه رقصة الطير المذبوح، تقول ضاحكة: «عملت في توصيل عمال أجانب تابعين لشركة خاصة مدة شهر بسبب سفر السائق الأصلي. عرضت خدماتي عليهم, فرفضوا، ثم اختبروني فوافقوا». أحلام مؤجلةحلم شيرين «المؤجل» أن تصبح لاعبة كرة يد محترفة، جاءت الفرصة لذلك يوماً غير أنها تبخرت. «كنت لاعبة ممتازة بفريق مدرستي، وشاركت في مسابقة المدارس الثانوية. كنا نتمرن على أحد الشواطئ يوماً, فأعجب مدير أحد الفرق الخليجية بأدائي وعرض أن ألعب معهم مقابل راتب شهري 500 دينار. خضت صراعاً طويلاً بين حلمي ورغبة أمي في البقاء بجانبها وإخوتي، فانتصر الواقع في النهاية. لا أستطيع السفر». تعتبر شيرين نفسها قريبة جداً من الله، وربما هذا ما منعها أن تستمع لإحدى الفتيات حين عرضت عليها سلوك طريق الحرام عارضة مغرياته المادية، «كنت صارمة وصامدة إزاء ذلك وهذا من فضل ربي علي (..) أفضل العمل في مسح السيارات». وفي موقف آخر, تقول شيرين: «عرض رجل طاعن في السن الزواج بي بغرض تحسين معيشتي. رفضت أيضاً (..) لا أعرف أصلاً كيف يمكنني الزواج وأنا أتحمل مسؤولية أمي وإخوتي الذين يقلقني مستقبلهم. إنهم متفوقون. وكلما اقترب وقت تخرجهم من المدرسة زاد ألمي, أخشى أن يكون مصيرهم كمصيري (..) أليس من حقنا أن نعيش كبقية البشر؟!» لم تستطع شيرين كتم دمعتها، فبكت وبكت بغضب.«لا أشكو حالي لأحد، يومياً أخاطب ربي في صلاة الفجر. تارة أسأله في أمري: أعقاب أم اختبار؟ وأخرى أخبره عما أديته من أعمال, وتارة أشاركه فرحي عندما أحصل على مبلغ ما (..) سألت شيخ دين: هل ما أفعله في الصلاة جنون؟ أجابني: بل يدل على قربك من ربك». تختم شيرين قصتها بعد أن مسحت دموعها وابتسمت. رأي قانوني قصة شيرين، تفاعلت معها المحامية فايزة أسعد، وأرجعتها إلى عدم وجود لجان لحماية الطفل، ما يتسبب في سلب حقوقهم. أسعد أكدت أن نسبة قضايا النفقة المرفوعة في محاكم البحرين، هي بين 60% و65 % ، في حين أن ما تحصل عليه الزوجة المهجورة أو الأم المطلقة في حال كسبت القضية، لا يتعدى الـ 30 ديناراً للطفل. وأضافت أسعد: في حال عدم الثقة بإنفاق الأب، تقدم النفقة وهي على أنواع من خلال قطع النفقة من راتب الأب، أو عن طريق المحكمة، أو مقابل رصيد، مشيرة إلى أن السن المحدد للنفقة هي منذ ولادة الطفل وحتى بلوغه الـ 23، أو عمله أو زواج الفتاة. وفي حال الدراسة تصل النفقة بالنسبة للطالب إلى 25 سنة. ولفتت أسعد لوجود حالات يتعرض فيها الأبناء لتهديد أبوهم، ومنهم من يتنازل على مضض، ومنهم من يصر، ويرفعون قضية عليه نظراً لتعرضهم للضرب، وعندها يلزم غرامة ما بين 50 إلى 100 دينار وحسب،» وهو مبلغ قليل جداً، فهناك حالات ضرب عنيفة».