تشهد القرى المحيطة في مدينة حلب شمال سوريا تدهورًا حادًا في الأوضاع الاقتصادية، فسكان هذه القرى يعيشون بلا دخل في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الوقود والغذاء، إضافة إلى تصاعد أعمال العنف.ويعاني سكان قرية ديرة عزة في حلب من نفاذ وقود الطهي منذ ما يقرب الشهر، ويعتمدون في الوقت الراهن على الحطب لطهي وجباتهم الليلية. ويعيش سكان الضواحي المحيطة في مدينة حلب في ظلام دامس، إلا من ألسنة اللهب المستخدمة في طهي الطعام ليلاً.ولم يتلق أغلب العاملين في القرية أياً من رواتبهم منذ العام 2011، كما أنهم يفتقدون إلى الحد الأدنى من ضروريات الحياة الأساسية. فقد وصل سعر ليتر الوقود المستخدم في الطهي إلى نحو 9 دولارات. كما ارتفع سعر اللحوم على نحو يضطر الأهالي لاستبدالها بالبيض والبطاطا، وحتى هذه المواد الغذائية باتت غير كافية.وارتفع سعر ليتر البنزين إلى عشرة أضعاف سعره قبل الثورة، وقد انعكس ذلك على حركة السيارات في الشوارع، وبات من النادر رؤية سيارة في شوارع ديرة عزة.هذا الواقع المتردي لم يقتصر على ديرة عزة فقطن بل تجاوزها لينتقل إلى بقية القرى الواقعة شمال سورية والتي تعاني من الحصار، كما أن الطرق فيها تفتقد إلى الأمن والأمان، مما أدى إلى توقف النشاط التجاري في هذه المناطق.الهدوء الذي يسود هذه القرية التي تسيطر عليها قوى المعارضة السورية، لا يقطعه سوى أصوات قذائف المدفعية التي تتردد بين الحين والآخر. وفي أعقاب تعرّض مصنع الورق للقصف هناك في أوائل هذا الشهر، غادر النساء والأطفال ولم يتبق سوى الرجال القادرين على القتال.وفي هذا السياق، تصف صحيفة الـ "غارديان" الثوار في هذه القرية، مشيرة إلى أن الإرهاق والتعب يبدو واضحاً على وجوههم وهم يجتمعون في غرفة مظلمة ورطبة تحت الأرض. أما مقر قيادتهم، فالمشهد فيه عبارة عن كراسي بلاستيك مقلوبة ومراتب مطاطية وأسلحة كلاشينكوف متناثرة، كما لو كانت لعب أطفال. ومن قبل كان هذا المقر يستخدم كصالة لإقامة حفلات الزفاف.وفي مقر القيادة يجلس رجلان خلف أحد المكاتب الخشبية، وكان أحدهما يحاول تشغيل جهاز لاسلكي صيني الصنع، لإبلاغ زعيم المقاومة المحلية واسمه محمود بضرورة الحضور فوراً إلى القيادة. وبعد وقت قصير، جاء محمود وبصحبته خمسة من زملائه، وكلهم طلبة انقطعوا عن دراستهم الجامعية.ونقلت الصحيفة عن أحد المقاتلين، الذي يعرف باسم "أحمد" قوله إن "الثورة تتطلب التضحية بالجامعة"، مضيفاً أنه "لم يذهب للامتحان هذا العام، وكذلك فعل معظم الطلبة، فذلك هو الثمن الذي يتوجب علينا دفعه في هذه المرحلة".هيثم، مقاتل آخر قال إن عميد الجامعة التي يدرس فيها يحاول حرمان الطلبة من تقديم امتحاناتهم السنوية، فيقول: "عميد الكلية يعشق بشار الأسد ولن يسمح لأحد من الطلبة المشاركين في الثورة بالنجاح في الامتحانات، كما انه يقوم بإبلاغ الشبيحة عن أماكننا".ويقول الطلبة إن الشبيحة الذين ارتكبوا الكثير من الجرائم الوحشية منذ بداية الانتفاضة السورية، يلعبون دوراً أساسياً في إرهاب وتخويف الطلبة أثناء المظاهرات الاحتجاجية في مدينة حلب. يشار إلى أن الدراسة في الكليات الجامعية في حلب توقفت بمعظمها.أما عن الأوضاع داخل الحرم الجامعي، فيقول محمود إن "60 % من الطلبة والمحاضرين يؤيدون الثورة على النظام السوري، وأنهم مازالوا قادرين على المقاومة والاحتجاج. لكن أغلب هؤلاء يلتزمون الهدوء في الوقت الراهن، فهم ينظرون إلى ما نقوم به من أعمال مقاومة، باعتباره حملاً يصعب عليهم".وأضاف "لا أستطيع العودة إلى حلب، لأنني لو فعلت، فسيكون مصيري السجن أو القتل، لاسيما وأن الطريق إلى هناك يمر عبر مئات نقاط التفتيش التي تبعد عن بعضها البعض نحو 20 متراً. حلب تحولت إلى مدينة مغلقة".ويستبدل الثوار الجامعيون حلب بضواحي المدينة حيث تقل نقاط التفتيش، لكن مشكلة الحياة في هذه الضواحي هي صعوبة الحصول على المواد الغذائية.ويقول القائد المحلي للجيش السوري الحر في المنطقة، والذي كان يعمل مدرساً للشريعة الإسلامية ثم انضم إلى الثورة، إن الطلاب "يواجهون عدواً شريراً، فالبلاد بأكلمها تعيش وضعاً غاية في الخطورة، والرد الوحيد على ما يحدث في البلاد هو الإسلام".يذكر أنه وعلى مدى الأشهر الماضية، حذر النظام السوري وبعض المراقبين الدوليين من أن "الثورة في سوريا بدأت تأخذ منحى إسلامياً على نحو متزايد، على ارغم من أن قادة المعارضة ينكرون ذلك حتى اللحظة.