بقلم ـ نزار السامرائي: عاشت العلاقات المصرية الأمريكية في الأشهر الأخيرة امتحاناً صعباً، بسبب إحالة ثلاثة وأربعين متهماً إلى المحاكم المصرية، من بينهم تسعة عشر مواطناً أمريكياً، بتهمة فتح مكاتب لمنظمات المجتمع المدني الأجنبية من دون الحصول على ترخيص رسمي من الحكومة المصرية وقيام هذه المنظمات بفعاليات أدت إلى إثارة الانقسام في مصر في ظرف لا تحتمل البلاد أي سبب من أسباب التوتر الإضافي، وكاد هذا الملف أن يؤدي إلى حرمان مصر من الدعم المالي الأمريكي الذي كانت تحصل عليه منذ عقود عدة، بعد أن التقطه عدد من الزعامات الحزبية الذاهبة إلى انتخابات الرئاسة الأمريكية والتي تريد فرض توجهاتها على الزعامة المصرية الحالية أو على نحو أدق أرادت أن تبعث برسالة إلى الزعامة المصرية التي ستصل إلى الحكم بعد استكمال صورة المشهد الدستوري في البلاد، وأراد بعض المسؤولين الأمريكان توظيف هذا الملف بالكيفية التي جعلت منه سلعة في البورصة السياسية الساخنة، ولولا أن الحكومة المصرية تعاملت مع القضية بمرونة عالية، واتخذت قراراً بالسماح للأمريكيين بمغادرة مصر، لكان متوقعاً حصول المزيد من التأزم بين النظام الجديد في مصر الذي أفرزته أول انتخابات حرة بعد التغيير الذي شهدته البلاد بعد سقوط الرئيس حسني مبارك، مما هدد بوضع الولايات المتحدة في الخندق المقابل لتجربة ديمقراطية ظلت تطرح نفسها على أنها المدافعة عنها بكل ما تمتلكه من ثقل سياسي واقتصادي دوليين، وخاصة أنها كانت على استعداد للتخلي عن أقرب حلفائها من أجل نجاح هذه التجربة. معارك تأكيد الهوية صحيح، أن الحكومة المصرية واجهت ردود فعل داخلية وخاصة من جانب مجلس الشعب ضد إطلاق سراح المتهمين الأمريكان مما عدّ تنازلاً مهيناً لمصر أمام الابتزاز الأمريكي، وعلى الرغم من حجم ردود الشارع المصري فإن الحكومة تصرفت بسرعة ووضعت الأمريكيين على متن طائرة خاصة واضعة بذلك حداً لتداعيات قضية كان يمكن أن تجر وراءها ذيولاً، وبصرف النظر عن الموقف من قرار الحكومة المصرية، فإنها منعت هذا الملف من أن يتحول إلى مناسبة للاتجار السياسي، في بلد يمر بمخاض عسير في خياراته وتوجهاته السياسية، ويخوض معارك تأكيد الهوية التي سيطل بها على العالم، وتصطرع فوق أرضه أحزاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وعلى جبهات كثيرة، وتتقاذفه تيارات دينية وسياسية لم تتبلور رؤاها بشأن الطريق الذي تريده لمصر. كان بالإمكان وضع واشنطن في مأزق أخلاقي وقانوني لتخطيها الكثير من الضوابط السارية في مصر، وخاصة من نظام حكم لا تستطيع اتهامه بالشمولية أو الدكتاتورية وشهد المراقبون على نزاهة الانتخابات التي شهدتها البلاد بعد التغيرات التي أعقبت سقوط حكم الرئيس حسني مبارك، فهل تجهل الولايات المتحدة، القوانين المصرية؟ بعدم السماح بالتمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني، وهو أمر متبع في معظم دول العالم، بل إن الولايات المتحدة تقع في طليعة الدول الأكثر تشدداً في العالم في فرض القيود القانونية الصارمة، على تلقي الهبات والدعم الخارجي لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، داخل أراضيها لأنها تخشى مما تسميه (دعم الإرهاب الدولي)، وخاصة إذا تعلق الأمر بالجمعيات الإسلامية. الولايات المتحدة تعد أكثر بلد في العالم يحاول اختراق الجدران الداخلية للبلدان الأخرى، عن طريق نشاط الجمعيات الخيرية والإنسانية، ومنظمات المجتمع المدني، والتي تخدم برامج تلتقي مع أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وإذا ما اعترض بلد من البلدان على نشاط هذه المنظمات بسبب ما تشكله من تهديد لأمنها القومي أو للسلم الأهلي، فإنه سيعرض نفسه لحملة صحفية وسياسية منسقة، تضعه في مصاف الدول الداعمة للإرهاب والتي تخرق حقوق الإنسان ولا تؤمن بالديمقراطية، وقد يتعرض لضغوط اقتصادية مباشرة منها أو عن طريق التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم، وهكذا نلاحظ أن التوازن أو التكافؤ في العلاقات الدولية أصبح من مخلفات الماضي، وأن القوى الكبرى أخذت تصادر ما حصلت عليه الدول الصغيرة من مكاسب سياسية، منذ أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بتصفية الاستعمار في العام 1960. جيوش بلا طائرات ربما لم يعد هناك مسوغ لتحشيد الجيوش لاحتلال أقاليم ما وراء البحار، كما كان سائداً في بداية عصر التوسعات الاستعمارية الأوربية بسبب ما يرافقها من خسائر سياسية واقتصادية وعسكرية في الجنود والمعدات، وربما كانت تجربة احتلال العراق بما جلبته من كوارث بشرية واقتصادية على الولايات المتحدة، وما تركه من آثار نفسية على العقل الأمريكي الجمعي، أعاد إنتاج القلق المشروع لدى الذاكرة الأمريكية من مآسي الحرب الفيتنامية، ربما كانت الحرب على العراق هي الخط الفاصل تاريخياً وجغرافياً، بين حقبتين استراتيجيتين مختلفتين في التاريخ الأمريكي المعاصر، وربما باتت جيوش الغزو الجديد، تعتمد بالدرجة الأولى على الشركات المتعددة الجنسية والعابرة للقارات وخاصة شركات الطاقة والشركات الصناعية الكبرى، بعد أن كانت في العصور الاستعمارية الغابرة، هي الممهدة لعمليات الغزو التي تعرضت لها أقاليم شاسعة في قارات آسيا وأفريقيا والأمريكيتين، ودار الزمن دورة كاملة، وتحولت الولايات المتحدة إلى أكبر قوة عسكرية في العالم بعد أن كانت مجرد مستعمرة بريطانية تبحث عن الخلاص، وأصبح اقتصادها أكبر اقتصاد في العالم وسخرت قوتها العسكرية لتكريس مصالحها الاقتصادية التي تنفذها شركاتها الكبرى وتنكرت لتاريخ كفاحها من أجل الاستقلال، وأطلقت الحرية لجيوشها الجديدة في إقامة القواعد في كل مكان، كما أطلقت الحرية لشركاتها الكبرى للهيمنة على اقتصادات العالم، وبات الجنرالات الجدد، أي رؤساء مجالس إدارات تلك الشركات، هم الذين يقودون جحافلها المتنقلة من دون طائرات أو دبابات، فوق جميع الأراضي المتاحة، غير مكتفية بمصادرة مفاتيح القرار الاقتصادي، بل لتنتقل للتحكم بالقرار السياسي عبر أساليب الضغط والابتزاز وتوريط الزبائن بعقود وصفقات لا تعقد في الهواء الطلق، بل في غرف مظلمة. الوضع في مصر ما يصح على الوضع في مصر ينطبق بدرجات متفاوتة مع الوضع السياسي والاجتماعي في دول مجلس التعاون الخليجي عموماً، وكل من المملكة العربية السعودية والبحرين بنحو خاص، ذلك أن ما يلاحظه المراقب أن الولايات المتحدة التي أطلقت فضائية الحرة والحرة عراق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، لم تقصر نشاطهما على تسويق الإيجابيات المزعومة للاحتلال فقط، وإنما كان بإمكان المراقب لبرامجهما، أن يلاحظ أنهما كانتا حريصتين على إخضاع المجتمعين السعودي والبحريني لحالة من الرصد الدقيق والمشحون بالغرض المذهبي ببرامج تختلط فيها الكثير من السلبيات وتنطلق منها في التعريض بالبلدين، وكذلك كانت تنحو قناة الـ BBC الناطقة باللغة العربية، سوف يلاحظ أنها كشقيقتيها، تركز على كل ما هو سلبي في السعودية والبحرين، وتتجاهل جميع المنجزات التي أضافتها خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وتستضيف متحدثين وتستنطق من دواخلهم كل ما يختزنون من ضغينة وحزازات سياسية وحزبية، وكأنها ما وجدت إلا للإساءة إلى هذين البلدين العربيين، تارة باسم المظلومية المذهبية وتارة باسم حقوق الإنسان، وثالثة باسم التحديث. قوة زرع الفتن بات معروفاً أن الطرف الذي يحرك القوى الطائفية في البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، منتفع مما تتركه حالات التدخل الأمريكي في دول العالم عن طريق زرع المنظمات والجمعيات المختلفة الأغراض، هو إيران وعبر أدوات مماثلة، إيران التي تطرح نفسها سياسياً وإعلامياً كعدو مفترض على مستوى أجهزة الإعلام وخطب الجمعة في طهران وسائر المدن الإيرانية الأخرى، لسياسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في المنطقة. منذ قيام نظام الجمهورية في إيران أفرزت الحكومة الجديدة مكاتب متخصصة لتمهيد الأرضيات المحلية المناسبة في بعض البلدان العربية والإسلامية، لقبول فكرة تصدير الثورة، وتم تأسيس مكتب حركات التحرر والذي كان في بداية تشكيله مرتبطاً بصفة مباشرة بالشيخ هاشمي رفسنجاني بحكم الثقة العالية التي كان الخميني يستشعرها به، حتى قال الخميني مرة إن الثورة الإسلامية بخير طالما كان رفسنجاني موجوداً، ومع الوقت ومع كثرة واجبات رفسنجاني السرية والعلنية، جمع بين مهمتين علنيتين كان من المستحيل اجتماعهما في رجل واحد، لولا الثقة التي استطاع أن يحصل عليها، وهما رئاسة مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) الإيراني، وتمثيل الخميني في مجلس الدفاع الأعلى، مما أعطاه دوراً في الإشراف المباشر على القوات المسلحة أثناء الحرب العراقية الإيرانية، يفوق في أهميته العملية دور رئيس الجمهورية حينذاك على خامنئي، الذي أصبح فيما بعد مرشداً للثورة الإيرانية، ويبدو أن ثقة الخميني القديمة برفسنجاني، والتي لم تتحول إلى إجراء دستوري يكرسها سلطة مؤكدة تضع رفسنجاني على أعتاب الموقع القيادي الأول في البلاد والذي آل فيما بعد إلى علي خامنئي، ويبدو أن الخميني كان يعتمد لعبة الأب الذي يشعر جميع أولاده بالقرب منه، فكان يوزع عليهم الصفات التي تصبح جزءاً من تكوينهم اللاحق، وفي النهاية تكون الوراثة من نصيب الابن الكبير، وبقدر ما ترك توريث الخميني للمنصب القيادي في هرم السلطة الإيرانية الدينية والدنيوية لعلي خامنئي من جروح عميقة في نفس رفسنجاني، فإن الصلاحيات الميدانية المطلقة التي تمتع بها رفسنجاني قبل يونيو 1989، وهي السنة التي مات فيها الخميني، هي التي تركت ندوباً في مشاعر خامنئي تجاه غريمه السابق، ولهذا تعامل الرجلان مع ماضيهما بحساسيات غير قابلة لطي سجلاتها، ولهذا حرص المرشد الجديد على تقليص نفوذ رئيس مجلس الشورى السابق، على مستوى صنع القرار في إيران ما بعد الخميني، فبدأ رفسنجاني يفقد نفوذه مع الوقت ومع بروز قيادات جديدة تفوقت عليه في طريقة عرض ولائها للولي الفقيه الجديد، ولم تجد دافعاً لمنح ولائها لشخص لم تقتنع بأنه يحمل مواصفات قيادية خاصة، نتيجة قص أجنحة مسؤولياته الدستورية الواحدة تلو الأخرى، حتى طرح المراقبون سؤالاً عما إذا كان خروج رفسنجاني من المشهد السياسي الموالي، وتحوله إلى المعارضة الإصلاحية، بل وجوده على قائمة رؤسائها، سيعني نهاية الثورة الخمينية في إيران؟ وخاصة بعد صدور أمر مرشد الثورة الإسلامية لأعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي تم تصميمه على مقاسات رفسنجاني بعدم التجديد له، في رئاسة المجلس، مما عكس عمق الهوة الآخذة بالاتساع إلى حد القطيعة النهائية بين آخر مساعدي الخميني المقربين. زعامات الخط الأول ومن أجل عدم تسليط الضوء على زعامات الخط الأول في المؤسسة القيادية في إيران عما يقع من أعمال تقع تحت طائلة تعريف الإرهاب وتعريضهم والنظام الذي يمثلونه إلى مسؤوليات جنائية، إذ تم نقل مسؤوليات مكتب دعم حركات التحرير في العالم في وقت لاحق، إلى قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، وهي القوة المتنفذة داخل مؤسسات النظام الإيراني، ويتولى قيادتها الجنرال قاسم سليماني المقرب من علي خامنئي، وتغطي إيران تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى عن الشركات السياحية والمراكز الثقافية ويتم الإنفاق عليها من الأموال المخصصة لقوة القدس، ولتتحول عبرها إلى أشكال الدعم اللوجستي كلها على تحركات القوى المرتبطة بولاية الفقيه في جميع أرجاء العالم وخاصة في السعودية والبحرين، لكن الدعم السياسي والإعلامي الأكثر تأثيراً، هو ذلك الذي توفره منظمات المجتمع المدني في أمريكا وأوربا وبنحو خاص في بريطانيا، فبالإضافة إلى تنظيم مهرجانات التأييد، هناك عدد كبير من الصحفيين والقادة السياسيين الموزعين على الأحزاب الكبيرة، يتناوبون للحديث عن مظلومية طرف من أطراف المعادلة السياسية الاجتماعية والمذهبية في البلاد. جميل جداً أن تستطيع قوى محلية أن تستقطب لنفسها هذا القدر من الدعم والتأييد وخاصة في أوربا، ولكن من حق المراقب أن يتساءل بمرارة، لماذا لا تتعاطف المنظمات الحقوقية الأوربية والأمريكية المدافعة عن حقوق الإنسان في البحرين والمملكة العربية السعودية، مع حقوق الإنسان في العراق الذي قتل فيه نحو مليوني إنسان منذ الاحتلال الأمريكي وحتى اليوم، ومايزال بعض المدافعين عن حقوق المواطن في البحرين، كقادة التيار الصدري وبقية قادة التحالف الوطني الحاكم في العراق بالتقاء لافت بين طهران وواشنطن، مازالوا يرفعون أصواتهم بدعم الاحتجاجات في البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، في الوقت نفسه الذي يوغلون بدم العراقيين، من غير أن ينظروا إلى أن هذه الثنائية في الموقف لا تبقي لهم شيئاً من المصداقية في أطروحاتهم الإنسانية الطارئة، وتكشف عن تجنيد طاقاتهم لصالح بلد أجنبي يواصل تدخله في الشؤون العربية. انتهاك حقوق الأقليات وكذلك الحال تنطبق هذه الثنائية، على ما يجري في إيران من انتهاكات لحقوق الأقليات العرقية والمذهبية هناك، ويدافع محامو اللحظة الخاطئة عن الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام حيناً وباسم الممانعة حيناً آخر؟ لاسيما وأن هناك اضطهاداً مركباً في ذلك البلد، فمن جهة فإن الشعب الإيراني يعاني من ظروف القهر بسبب تسلط الطبقة الحاكمة باسم الدين وبدأت تأكل أبناءها، وهو واقع تحت سلطة دكتاتورية دينية أسوأ مما شهدته أوربا في حقبة حكم الكنيسة ومحاكم التفتيش. أما انتخابات مجلس الشورى في إيران التي جرت بداية الشهر الجاري، ومارس فيها مجلس صيانة الدستور دور المقص السياسي الذي يحصر المنافسة بين من هو موالٍ للمرشد والأكثر موالاة، وحجب الحق حتى عن الإصلاحيين الذين كانوا في وقت من الأوقات جزءاً فاعلاً من ماكنة الثورة الإسلامية في إيران، ويحتلون مواقع سياسية عليا في البلاد كرئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الشورى، وإذا بهم ومع الوقت يفقدون اللون والطعم والرائحة، ويفقدون القدرة حتى على ترشيح أنفسهم لعضوية البرلمان الإيراني الجديد، استناداً إلى دستور يتحملون بدرجة أو أخرى مسؤولية تمريره على الشعب الإيراني. جاء المجلس منغلقاً على نفسه ويتكلم بلغة واحدة، وإن كان أعطى شارة البدء لقص أجنحة محمود أحمدي نجاد والذي لم يتردد في مرحلة سابقة عن الدخول في حلبة صراع غير متكافئة مع مرشد الثورة الإسلامية والولي الفقيه علي خامنئي نفسه، فقد قيل في تفسيرات نتائج الانتخابات الأخيرة، إن سلطة الولي الفقيه تعززت على حساب سلطة رئيس الجمهورية، ولكن سؤالاً ربما فيه شيئاً من بلاهة الجاهلين بحقيقة توازنات القوى في الساحة الإيرانية، سيرد على النحو الآتي: هل كان الولي الفقيه يحتاج إلى هذه النتائج كي يتمكن من محاصرة محمود أحمدي نجاد داخل رئاسة الجمهورية؟ قد تقتضي قواعد اللعبة ألا يتفجر الصراع بين الرجلين كما حصل بين الخميني وأبو الحسن بني صدر في بداية العهد الجمهوري، لأن ذلك يتطلب أولاً وقبل كل شيء رجلاً من طراز آية الله الخميني، يتصرف كحادلة تسحق تحتها كل من يرفع إصبع اعتراض أياً كانت وجهته، وهذا ما لا يتوافر بأي قدر من المقادير في علي خامنئي، ولذلك يقتضي الحال إخراجاً ديمقراطياً متدرجاً في خطوات عزل نجاد، الذي ظن أنه قادر على تحدي سلطة الولي الفقيه، ولهذا احتفظ نجاد بمنصبه على الرغم من أنه خرج على بيت الطاعة واجتاز الخطوط الحمر التي رسمها الدستور. هذه الانتخابات وما رافقها من حجر سياسي وربما صحي، على حق المواطن للترشح بسبب مرور الأسماء على مجموعة من الفلترات المتعاقبة تبدأ في صورتها الرسمية بمجلس صيانة الدستور، وتمر في واقعها على مكتب خامنئي الذي لو أراد التنافس الحر لوضع حداً لتعسف مجلس صيانة الدستور في ممارسته لصلاحياته التي تعيد إلى الذاكرة سلطة محاكم التفتيش في القرون الوسطى. وهذا الهامش المحصور في لون واحد من المرشحين المتشددين، حدد خيارات الناخب في أضيق نطاق، مما جعل المواطن الإيراني يزهد بممارسة هذا الحق المنصوص عليه في الدستور، لأنه يعي جيداً أن ذهابه إلى مراكز الاقتراع سيجعل منه شاهد زور لقضية غير عادلة، ويصبح بالنهاية شاهداً تبحث عنه أجهزة السلطة لتبرير حجرها على المواطن ومنعه من التعبير عن حقه بحرية مطلقة في الاختيار الحر. إن النتائج التي أسفرت عنها انتخابات مجلس الشورى، لم تثر لدى أحد من المساندين أو المتعاطفين مع المعارضة البحرينية، سواء كانوا من الإيرانيين أم أطراف العملية السياسية في العراق، رد فعل باكٍ أو غاضب على الديمقراطية المغيبة بقوة الفتوى الدينية والقمع الذي يمارسه الحرس الثوري في البلد الذي يراد له أن يكون مصدر الإلهام ومركزه المشع على العالم، مورس القمع تحت لافتة الحرص على الأمن الوطني من التخريب الخارجي، فلماذا تمنح إيران نفسها هذا الحق وتدس أنفها في شؤون دول أخرى؟ في الوقت الذي لا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها الداخلية، وتسوق من تشتبه بقيامه بأي اتصال مع المنظمات الدولية، إلى محاكم الثورة الإسلامية. انتخابات الولي الفقيه انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، كانت معروفة النتائج مسبقاً وبقرار من قمة الهرم القيادي في إيران، وهذا ما يجعل من التغيير من الداخل أمراً في غاية التعقيد أو الاستحالة، يضاف إلى ذلك إن الحصانة التي يتمتع بها مركز الولي الفقيه داخل مؤسسة الحكم، لأنه يقع خارج الاستفتاءات والانتخابات والرقابة الشعبية، يمتلك لوحده جميع الصلاحيات التي تم توزيع بعض فتاتها على رئيس الجمهورية والوزراء الشكليين، على الرغم من أن المرشد عادة ما ينتخبه مجلس خبراء القيادة (مجلس الخبركان)، فهل سمح أحد من الذين يطالبون -على سبيل المثال لا الحصر- بأن يختار مجلس النواب رئيس وزراء البحرين، أن يسأل نفسه من دون عصبية منقادة من أذنها، لماذا لا نعتمد مكيال يوسف عليه السلام الذي كان يوفي الكيل للجميع من دون تمييز؟ نرجع إلى موضوع التبني الميكانيكي من جهات دولية وخاصة في الولايات المتحدة وأوربا لوجهات نظر سياسية، تغلف بأغلفة إنسانية وحقوقية، فإذا كان الموقف منطلقاً من نظرة تتعلق بحق من حقوق الإنسان بالعيش الكريم وحرية الفكر والتعبير والاعتقاد، فهل يجوز لتلك المنظمات أن تتغافل عن حقوق الإيرانيين من عرب وأكراد وبلوش وترك والذين تسحقهم حادلة التفريس، بالإضافة إلى ما يلقونه من اضطهاد سياسي موزع على مجموع الرقعة الجغرافية لإيران؟ ربما كانت علاقات المنظمات التي تتخذ من إيران نموذجها السياسي الواجب التقليد، لا تسمح لها بتوجيه النقد للتجربة الإيرانية، فهل عميت تلك المنظمات عن رؤية ما يتعرض له الفلسطينيون؟ أم أن حقوق الإنسان قضية قابلة للتجزئة؟ من المعروف أن المنظمات الحقوقية تطرح نفسها على الدوام، بأنها منظمات لا تهتم بالجوانب السياسية، وتتابع الانتهاكات التي يتعرض لها بنو البشر على أساس النظرة المتكافئة بينهم، بصرف النظر عن الجنس واللون والعرق والدين والمذهب والدول التي ينتمون إليها، وهي بهذا تستغل هذا التوصيف بإصدار أحكام ذات طابع سياسي غير قابلة للطعن، ليس لاستنادها إلى مبادئ العدل، وإنما لأنها صادرة عن جهات توصف بأنها منظمات حقوقية.
International
منظمات المجتمع المدني الأجنبية تلعب دوراً رئيساً في إثارة الفتن بالمنطقة
15 أبريل 2012