"خرجت مظاهرة من الخشب والقماش في مدينة داريا بريف دمشق، تطالب بإسقاط النظام ومحاسبة الرئيس الأسد".يبدو الخبر هكذا أقرب للنكتة أو السخرية، ولكن مدينة داريا جعلت من خبر كهذا حقيقة، وهذه المرة لم يكن الهدف من وراء هذا الابتكار السوري هو السخرية من نظام الأسد، وإنما العكس تماماً، كان الهدف وبحسب أحد ناشطي مدينة داريا: "فكرة مظاهرة الفزاعات أو الأشخاص الخشبية هي طريقة جديدة للتظاهر، توصل رسالة أنه لو لم يبقَ رجال ونساء في سوريا فسوف تخرج الشخوص الخشبية لتتظاهر ضد النظام وترفض سياساته".داريا مدينة في ريف دمشق، خرجت للتظاهر مع بداية الثورة، لتنال هي وجارتها مدينة المعضمية عقاباً متواصلاً وقاسياً من قبل النظام السوري، وقبل حوالي 15 يوما، وبعد العمليات الوحشية التي قام بها عناصر الأمن والشبيحة في المدينة، قام عددٌ من شباب داريا بمواجهة هؤلاء بطريقة جديدة مبتكرة.قام شباب داريا بتحضير عدد من الفزاعات على شكل جسم الإنسان وألبسوها ثيابا متنوعة ظهرت بها الفزاعات كأشخاصٍ في أعمار مختلفة، وتم لصق شعارات متعددة على هذه الفزاعات فبدتْ كلُ فزاعةٍ كمتظاهرٍ في قلب المظاهرة.ووضعت الفزاعات في وسط المدينة في ساحة تربة داريا بعد أن قطعوا الطرقات المحيطة، تحسباً لعودة الموكب الأمني فجأةً لتكون مكانا للمظاهرة الحدث، لاسيما أن هذه الساحة هي المكان المفضل لعناصر الأمن في كل اقتحام للمدينة يتمركزون وينتشرون فيها ويرهبون الناس منها.وأعدوا المكان بحيث يكون جاهزاً لاستقبال الموكب الأمني في صباح اليوم التالي، وفي صباح اليوم التالي الأحد 16/07/2012 دخل موكب الأمن مدينة داريا ووصل إلى ساحة التربة ليتفاجأ بوجود الفزاعات هناك، فما كان منهم إلا أن بدؤوا بإطلاق النار الكثيف عليها لتخريبها وتكسيرها، ثم انسحبوا عائدين إلى أوكارهم، ليقوم الشباب بعد ذلك من جديد بإعادة ما تبقى «حيًّا» من الفزاعات إلى مكانها لتتابع ما سماه ناشط "نشاطها الثوري".ولم تشهد المدينة عودة الموكب الأمني الذي توارى منذ ذلك الحين ولجأ إلى أسلوب جديد من الوحشية من خلال قصف المدينة ببيوتها وأبنائها وفزاعاتها بقذائف الهاون، التي كانت تنطلق من مطار المزة العسكري لتحط عشوائيا في أرجاء المدينة.حكايات سورية تختلف كل يوم ولا ينتهي جديدها أبداً، تبتكر أساليب ستسجل في التاريخ على أنها ابتكارات سورية.فزاعات داريا لا تخاف من الأمن، وإنما الأمن هو من يخاف منها، ولن يستطيع إرهابها أو قتلها.