الربيع العربي صار خريفاً؛ النزاعات الدامية في ليبيا، أو الحروب الكلامية في مصر، أو المستقبل غير الواضح في تونس، والتوتر المستمر في اليمن، كل تلك المؤشرات تدلنا على أن الربيع العربي لن يكون ربيعاً من دون أن نغير الثقافة الاجتماعية. التغيير السياسي ليس كل شيء، ولم يكن التغيير السياسي يوماً عبارة عن عصا سحرية تنقذ الأمم أو تعيد تغيير العالم. التغيير الثقافي الاجتماعي هو الذي يلغي الكثير من الأمراض. مثل التعصب والعنصرية والطائفية، وسواها من الأمراض. كلما تغير المجتمع ثقافياً تغيرت ماكينة السياسة من كونها ماكينة تتحرك خارج سياق حاجته، إلى ماكينة تتحرك بسياق حاجته. والأثر النبوي يقول: “مثلما تكونوا يولى عليكم” ويمكن أن نجدد تفسير هذا الأثر لنقول إن الولاية السياسية حينما تكون مستبدة فإنها لم تكن لتستبد لولا قابلية المجتمع لذلك. كان المفكر مالك بن نبي يرى أن المجتمعات التي استُعمرت كانت مريضةً بمرض “القابلية للاستعمار”، ويمكن أن نقول إن المجتمعات التي استُبدّ بها كانت لديها “القابلية للاستبداد”. الاستبداد أحد نتائج الثقافة وتغييره يكون بإلغاء الموضوعات الاجتماعية التي ترسخ الاستبداد. حين يكون المجتمع بأفراده عبارة عن أناسٍ يستبدون بآرائهم وأفكارهم وتوجهاتهم فإن النتيجة الطبيعية نمو الاستبداد السياسي بحيث لا يستطيعون النجاة منه. الاستبداد أساسه اجتماعي استغله السياسي بعصاباته. كما إن الدول التي عاشت انقلاباتٍ عسكرية أو عاشت ويلات أيديولوجية كان وقع الاستبداد عليها أكثر حدة وضراوة. بينما دول الخليج رغم كل الأخطاء التي تعتر الحياة فيها ليست مستبدةً كما في الحالات السياسية التي عاشت حكم العسكر والمخابرات. التغيير الذي كان يمكن أن يأتي به الربيع العربي أكبر من هذا الذي نعيشه. سقط مجموعة من الطغاة وولد ألف طاغية. كل إنسان شارك في الثورة يريد أن يتحكم بمسارها، وإلا اتهم الثورة بأنها مختطفة، وأن مسيرة الثورة أجهضت. ومثل هذه العبارات كثير في مصر وليبيا تحديداً. الكل يريد أن يحكم. كل شخصٍ دفع ثمناً باهضاً للثورة يريد بديلاً لذلك الثمن، لهذا نشأت الاشتباكات في ليبيا. وانتشرت الحروب الأهلية في أكثر من مكان. ولوحت الأقاليم بالانفصال. كما إن المناطق التي تعيش ثرواتٍ تريد أن تستقل لتكون حصتها من الثروات أكبر. أخشى على ليبيا من مصير الصومال، مع أن ليبيا التي تمتلك النفط النقي كان يمكن أن تتحاور اجتماعياً لا أن تتحارب. وأرجو ألا يقول أحد إني أتمنى عودة القذافي، فهذا سخف لا أحتاج للرد عليه!المصير الذي ينتظر ليبيا خطير ومؤذ. الصراع على النفط والمال، والتهديد بالانفصال يجعلني أصف الربيع العربي بالخريف. سقطت أوراق كثيرة من أشجار السياسة لكن الجذور لم تتغير. المشكلة أن التغيير لم يشمل التغيير الثقافي. حينما سقط الساسة طفت على السطح الأمراض الكثيرة. ها هي الطائفية تنتشر في مصر. وها هي العنصرية القبلية تعود لتنتشر وتعيد قواعدها عسكرياً في ليبيا. إذا أردنا الربيع العربي الحقيقي فلنغير من أفكارنا وثقافتنا. أما التغيير السياسي المؤذي على المستوى البعيد فلن يقدم ولن يؤخر. الساسة سقطوا، والطغاة ماتوا، ولكن السؤال الأهم من الذي سينهي الطائفية والعرقية والعنصرية والتعصب؟ ومن الذي سيلغي الوحشية الذاتية؟ ومن الذي سيلغي الصراع الإسلامي المسيحي أو السني الشيعي؟ إذا كان الربيع العربي غير قادرٍ على إنهاء هذه الحالة فما الجدوى من الربيع أصلاً؟ هل يتغير الطاغية ليتحول كل مشاركٍ بالثورة إلى طاغيةٍ آخر؟ للأسف هذا ما أنتجته الثورات التي شهدناها خلال السنة الماضية وما ذهب من هذه السنة؟ لابد من تغيير ثقافي، وهل الربيع العربي قادر على البدء بأي تغيير ثقافي؟!
الربيع العربي... أم «صوملة» العرب؟!
15 أبريل 2012