^   ما يحدث اليوم هو أن البعض من المحسوبين على المعارضة يعطي الناس الشمس في يد والقمر في الأخرى، ويعدهم بما ليس في يده، بل ويبشرهم بغد يعرف مسبقاً أنه لا يوجد إلا في خياله، لكنه يتعامى عن الواقع الذي لا يمكن أن يتقبله، لا لأنه دون الآخرين؛ لكن لأن قراءته للواقع غير دقيقة، ولأن تعامله مع الواقع غير مقبول، فهو باختصار “لا يعرف الدنيا كيف ماشية” حسب تعبير أحد الساسة الأجانب عندما سأل ذات سنة عن رأيه في بعض القادة العرب، وكان يقصد أنهم بعيدون عن الواقع وأنهم يحلقون في الخيال وبالتالي فإنهم لا يصلون إلى أهدافهم. قبل أيام فوجئ الناس بتغريدة لأحد “القادة” ملخصها أنه يحلم بيوم يكون فيه إبراهيم شريف رئيساً لوزراء البحرين! أي أنه يرى أن شريف مؤهل ليتسلم هذا المنصب. هذا رأي كما هو واضح أساسه العاطفة وليس الواقع، ولعله رأي آخرين يتعاطفون مع هذا الاسم الذي لا يمكن التقليل من قدراته وخبراته في مجال الأرقام كونه عمل لفترة طويلة في البنوك، كما لا يمكن التقليل من خبراته في العمل التنظيمي أو التقليل من شخصه، لكنه من حيث الواقع بعيد عن هذا المنصب الذي يحتاج إلى قدرات وخبرات معينة و«كاريزما” كالتي يمتلكها شاغل هذا المنصب اليوم صاحب السمو الملكي الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وهي صفات يشهد له بها الداني والقاصي، ويعترف له بذلك حتى أرباب المعارضة الذين لا يترددون عن وصفه بالسياسي المحنك والرجل الداهية. هذا النوع من التفكير الحالم ليس ممنوعاً؛ لكنه بالتأكيد غير واقعي، وهو يعبر بصدق عن ابتعاد أصحابه عن أرض الواقع وافتقادهم إلى القدرة على القراءة الدقيقة الواعية للساحة وتناقضاتها. إن ما لا يدركه البعض هو أن إدارة دولة ليست كإدارة نادٍ أو جمعية أو شركة، وأن سوس الناس ليس كالتعامل مع مجموعة من الأعضاء لا يزيد عددهم في كل الأحوال عن بضع مئات أو حتى ألوف. لا بأس من التعبير عما يعتور في النفوس، لكن مهم ألا يبتعد عن الواقع، فالأحلام شيء والواقع شيء آخر ولا يمكن أبدا تعشيم الجمهور استناداً إلى حلم لا يمت إلى أرض الواقع بصلة. الواقع يفرض أموراً يفترض من المعارضة أن تستجيب لها وأن تكون مرنة في ذلك، من ذلك مثلاً أن دول مجلس التعاون لا يمكن أن تعمل ضد بعضها، وبالتالي فإن الواقع يقول إنها لا يمكن أن تتأخر عن دعم ومساندة السلطة في البحرين لا بإصدار البيانات والشجب والاستنكار، لكن بكل ما تمتلك من خبرات وأموال وحتى جيوش، ومن ذلك مثلاً أيضاً أن الدول الكبرى لا يمكن أن تفرط في مصالحها ومعاهداتها والتزاماتها وعقد صفقة مع المجهول من أجل عيون المعارضة، فليس من مصلحة الولايات المتحدة مثلاً تغيير السلطة في أي دولة من دول المجلس وليس من مصلحتها الوقوف إلى جانب إيران أو الموافقة على دعم برنامجها النووي. الدنيا مصالح، والعاقل هو من يتمكن من قراءة العلاقات بين الدول بوعي وبواقعية، فهل المعارضة قادرة على مثل هذه القراءة؟ الأمر نفسه ينطبق على الحوار المرتقب حيث ينبغي من المعارضة ألا تبتعد عن الواقع فتدخل فيه وتحاول أن تحقق مكاسب، لا أن ترفضه أو تسمح لنفسها بالتحليق في الخيال فتضيع فرصة قد لا تتكرر بوضع شروط والانقياد إلى الشارع الذي يختلف تفكيره بالضرورة عن تفكير السياسي. هذا يعني أن على المعارضة أن تكون قادرة على التحكم في الشارع وليس الانقياد له أو مساعدته على التحليق في الخيال.