^  كشفت “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” في السعودية النقاب عن تعثر أو تأخر إنجاز عدد كبير من مشاريع الخدمات العامة، وأوردت الهيئة في بيان صدر عنها قبل يومين، ونشرته صحيفة “الرياض” السعودية، أمثلة حية تعزز به أقوالها التي شملت مشروعات “الطرق والمستشفيات، والمراكز الصحية، والخدمات البلدية، ومشاريع المياه والصرف الصحي”. وأكدت الهيئة أنها ماضية في تحققها من عناصر الفساد “من خلال تعاون المواطنين بإبلاغ الهيئة عن تلك المشاريع أو بواسطة مفتشيها وباحثيها الميدانيين أو بالتواصل مع الجهات التي تتبعها المشاريع وسؤالها عن وضعها وأسباب تعثرها أو تأخرها، وتطلب منها تحديد المسؤول عن ذلك تمهيداً لتطبيق ما تقضي به الأنظمة” المعمول بها في المملكة. ليست هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيه الهيئة عن ظاهرة الفساد؛ ففي حواره مع جريدة الاقتصادية أكد رئيس “الهيئة” محمد بن عبدالله الشريف “على وجود الفساد وأشار إلى أنه لو لم يكن هناك فساد لما نشأت الهيئة، موضحاً أن هناك وزارات عديدة توجد بها مشاريع متعثرة وأنه جاري العمل على معرفة أسباب هذا التعثر وعلاجها”. خطوة تستحق التقدير أن تسمح الرياض بتشكيل هيئة وطنية علنية تعترف بها الدولة لمكافحة الفساد، مهما كان هامش حركتها، خاصة وأن الفساد أصبح ظاهرة عربية مستشرية تعترف بها المطبوعات الرسمية، وربما يكون الفساد السياسي والمالي أحد الأسباب الرئيسة التي تقف وراء الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية خلال الفترة الأخيرة، وأصبحت تعرف باسم “الربيع العربي”. فعلى المستوى العربي الشامل، ووفقاً لنتائج المسح الميداني الذي قام به مجموعة من الخبراء العرب وشمل عدداً من البلاد العربية ونشر في “تقرير التنمية البشرية العربي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، فإن حوال “90% من الناس يعتقدون أن الفساد السياسي والاقتصادي مستشر في مجتمعاتهم”. تؤكد ذلك أيضاً الأرقام الفلكية التي نقلتها صحيفة “الجزيرة” السعودية على لسان الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد عامر خياط بقوله “إن الفساد كلف الدول العربية ما يقرب من ألف مليار دولار بطرق غير مشروعة”، مشيراً إلى أن “مجموع الإيرادات للدول العربية خلال الفترة من 1950 وحتى 2000 بلغ ثلاثة آلاف مليار دولار أنفقت بنحو ألف مليار دولار على التسلح وألف مليار دولار على مشاريع تنموية والتعليم والبنية التحتية، وألف مليار دولار ذهبت بشكل غير شرعي لتسهيل البندين السابقين”. ويرجع بعض الباحثين العرب من أمثال أستاذ المحاسبة في جامعة دمشق وجامعة جدارا حسين القاضي في بحثه الموسوم “الفساد والإصلاح الاقتصادي في الوطن العربي” أسباب ارتفاع معدلات الفساد في بعض الدول العربية كمصر التي بلغت نسبة الشفافية فيها 2.9 أي أن الفساد 7.1، وسورية التي بلغت نسبة الشفافية فيها 2.4 أي أن الفساد بلغ 7.6 (أو 76%) إلى “سياسات الإصلاح الاقتصادي مع عدم إهمال العوامل الأخرى”. في المغرب وحدها نقلت العديد من مواقع الإنترنت ما كشفته منظمة الشفافية الدولية “أن الكلفة السنوية للفساد في الصفقات العمومية بالمغرب وصلت إلى أزيد من 3.6 مليار دولار على اعتبار أن كلفة الفساد في تمرير هذه الصفقات بشمال أفريقيا والشرق الأوسط تمثل 0.5% من الناتج الداخلي العام”. وصنفت بعض التقارير الإعلامية “المغرب في المرتبة السادسة قارياً ضمن البلدان المصدرة للمال غير الشرعي بخسارة فاقت 13 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2008 وبمعدل 1.66 مليار دولار سنوياً”. أما في مصر فقد كشفت مداخلة عضو مجلس الشعب المصري أحمد أبوبركة في استجوابه رئيس مجلس الوزراء أحمد نظيف، ووزراء الحكومة في مطلع العام 2009 بشأن “انتشار الفساد فى مصر، بما أصبح يهدد كيان الدولة ويقوض المقومات الأساسية للمجتمع ويهدر كل إنفاق تنموي”. وحذر أبوبركة من تحول الفساد إلى صناعة خالصة للحكومة، وأن “تكلفة الفساد فى عهد حكومة (نظيف) بلغت 63 مليار جنيه سنوياً حسب تقديرات خبراء اقتصاديين، ومراكز بحثية مثل مركز البحوث والدراسات السياسية فى جامعة القاهرة”. وقد فصل أبوبركة بنود ذلك الفساد قائلاً إن “تكلفة الفساد فى الدروس الخصوصية 15 مليار جنيه، والتهرب الضريبي 10 مليارات جنيه، والتهرب الجمركي 6 مليارات جنيه، وخسائر مقاولي البناء والإسكان والمشروعات المختلفة نتيجة الاحتكار والارتفاع غير المبرر لأسعار الحديد والإسمنت والغرامات المفروضة عليهم نتيجة تأخر تسليم المنشآت وأجور العاملين العاطلين تجاوزت 16 مليار جنيه، والأموال المهربة خارج مصر 6 مليارات جنيه وتدمير الأرض الزراعية وصلت تكلفته إلى أكثر من 4 مليارات جنيه، والمخدرات وغسل الأموال 6 مليارات جنيه”. وفي مطلع العام 2011 نشر موقع مجلة “روز اليوسف” المصرية مقالاً للكاتب حماد عبدالله حماد أكد فيه، نقلاً عن تقرير أعدته “منظمة النزاهة الدولية” أن تكلفة الفساد كانت غالية للغاية، حيث بلغت “قيمة التحويلات المالية الفاسدة إلى خارج حدود مصر حوالي 7 مليارات دولار، مقسمة ما بين مخدرات ورشاوى وسمسرة غير مشروعة”. أما في سوريا فيكتظ كتاب بشير زين العابدين “الفساد في سورية (1963-2000) حقائق وأرقام”، بالحقائق التي تكشف استشراء هذه الظاهرة في أركان الحكم هناك. ومن بين ظواهر الفساد الكثيرة التي يستشهد بها الكاتب نقتطف ما نقله هو عن مجلة الاكسبرس الفرنسية عن إدارة “مكافحة المخدرات الأمريكية” (DEA) حول تجارة الأفيون، التي وفرت، كما تقول المجلة “للمسؤولين السوريين مكاسب تقدر بمليار دولار في العام 1986، ونتج عن ذلك تضاعف إنتاج هذه المادة إلى خمسة أضعاف في المناطق التي تخضع للقوات السورية في لبنان، وصارت الأرباح التي تقدر بمئات الملايين تقتسم بين المزارعين والمنتجين والمسوّقين والقوات العسكرية السورية”.