كتبت - شيخة العسم: إن كثيراً من الراغبين في الزواج؛ يفضلون الزوجة الموظفة، ربما رغبة منهم في أن تساعدهم في تحمل جزء من مشقات الحياة، وتكاليف الأبناء والبنات. لكن من الملاحظ أن تصرّف الزوج براتب أو بعض راتب زوجته، يتسبب في كثير من المشاكل، قد تنتهي بالطلاق.وإذا كان الحال كذلك، فهل من حق الزوج هذا التصرف؟ ماذا لو منعها من العمل في حال رفضت هذا التصرف؟ وهل هناك من وسائل لحل مثل هذه الخلافات المادية؟.تخاف أم فهد أن يأتي عليها يوم يجبرها فيه زوجها على دفع إيجار الشقة التي تسكنها وإياه وأبنائها، بعد تصرفاته الغريبة التي تحكي عنها فتقول: أعمل مشرفة اجتماعية وراتبي جيد نسبياً، لكن منذ أن توظفت وحتى مرور 6 سنوات على زواجي وزوجي يلقي عليّ مصاريف المنزل من "ماجلة” وأطفال، حتى ثمن ملابس العيد أدفعها من جيبي، ولا يكلف نفسه عندما نتسوق شراء حاجة للبيت، حتى في المطعم إما أن أدفع فاتورة الطعام كاملة، أو يدفع ما عليه وأبنائه ويترك مبلغ طعامي عليّ.وتضيف أم فهد: لقد وصل استغلال زوجي لراتبي حداً بعيداً، فحسابي الشخصي في البنك عنده، وبطاقة البنك أيضاً. كنت في البداية أجهل طريقة السحب من "ATM” الصراف، وكان يسحب المبالغ التي أطلبها، وعندما أطلب منه أن يسحب من راتبي أكثر من الحاجة يوبخني ويقول لي "لا تسرفي”. وبعد فترة علمني أخي الطريقة، لكنني لم أسلم منه، فعندما أسحب أي مبلغ بقصد توفيره دون علمه، يصل مسج إليه بالمبلغ، لأنه سجّل رقمه عند فتح الحساب بالبنك!. ولا يختلف الحال عند سامية محمد (30 عاماً)، حيث أوهمها زوجها بشراء سيارة لها، دون أن يعنى بردّ مالها. تقول محمد: منذ توظّفي وأنا أصرف على نفسي حتى في المناسبات والأعياد. لكل جميع هذه الأمور بسيطة مقارنة بتصرفه مؤخراً؛ فلكونه يتاجر بالسيارات قام بإغرائي بشراء سيارة "جيب حمراء” وقد أعجبتني كثيراً، ودفعت له كمقدم 2500 دينار وهي كل مدخراتي، على أن أدفع المتبقي على شكل أقساط، ثم بدأ يماطل، حتى صعقني بأنه وجد فيها صفقة رائعة فباعها، وعندما سألته صعقني مرة ثانية بقوله إنه داخل على مشروع ونقصه المال فاستعان بمالي. تجمدت في مكاني وبكيت كثيراً، وقلت لنفسي "القانون لا يحمي المغفلين”. يشتري الأرض بمالها ثم ينكرها من جانبها تبين المحامية سهام صليبيخ، أن أكثر القضايا الموجودة في محاكم البحرين بهذا الشأن، تتعلق بأرض البيت والتأثيث، حيث يستغل الزوج راتب الزوجة في شراء الأثاث أو الأرض، ثم يتزوج عليها أو يطلّقها. وتنفي صليبيخ مقولة إن "القانون لا يحمي المغفلين”، مؤكدة أنها خاطئة، إذ وضع القانون من قبل المشرّع لحماية الإنسان الضعيف، مبينة أنه في حال عدم وجود أوراق قانونية بين الزوجين لشراكتهما في البيت أو الأثاث، فإن هناك طرقاً أخرى لمعرفة المبلغ التي ساعدت به الزوجة في بناء البيت مثل ورقة اقتراضها من البنك، وفي حال دخولها في جمعيات بين الأصدقاء والأهل لجمع المال، يمكنها أن تحضر الشهود، حيث تحل القضية بأن يقسم البيت. وتشير صليبيخ إلى أن قانوناً أصدرته وزارة الإسكان ينص على أن للمرأة البحرينية المطلقة أحقية أن تسكن مع طليقها في حال قبل أن يقسم البيت، أو يقوم طليقها بتأجير شقه لها لحين تسقط حضانة الأبناء، وهذا القانون موجود في قانون أحكام الأسرة أيضاً، وهو دليل على أن القانون يحفظ حقوق الزوجة والمطلقة. وتؤكد صليبيخ أن موضوع استغلال الزوج لراتب زوجته، مهم، مشيرة إلى وجود صور وحالات كثيرة لاستغلال الزوجة مادياً، منها حالة نادرة وقفت عليها شخصياً وهي قيام زوج بدفع زوجته للرذيلة من أجل تأمين مصاريف المنزل وسداد ديونه، وهي حالات نادرة، تحدث بين زوجين يائسين لا يجدان حتى لقمة العيش، لكن هذا ليس مبرراً للفعل المحرم. وتشدد صليبيخ على أهمية الحفاظ على جمال العلاقة الإنسانية والروحية بين الزوجين، إذ أوصى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الرفق بالقوارير، وتوافر المشاركة والتعاون بين الزوجين أمر جميل، على أن لا يبالغ فيه فكل شيء يجب أن يوزن بمكيال. ليس للزوج أن يجبر زوجته من ناحيته يؤكد إمام وخطيب مسجد صفية كانوا الشيخ عبدالناصر عبدالله الدرزي، أن الإنفاق واجب شرعاً على الزوج، حتى لو كانت الزوجة غنية، فإن تكرمت عن طيب خاطر بمساعدة زوجها فهذا فعل طيب منها، لكن لا يجوز للزوج أن يجبرها على الإنفاق. ويذكر الدرزي أنه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت زوجة الصحابي عبدالله بن مسعود، امرأة غنية تدفع عنه الزكاة بطيب نفس، وليس ما يحدث اليوم، حيث إن هناك صوراً كثيرة لاستغلال راتب الزوجة. ويضيف الدرزي: تردني شخصياً كثير من شكاوى الزوجات، اللاتي لا يحظين بكلمة طيبة أو معاملة حسنة رغم مساعدتهن أزواجهن، حتى أنهن يضطررن إلى دفع ثمن بنزين السيارة التي يقودها الزوج. ولابد أن نذكر المسلمين هنا بقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس). ويتساءل الدرزي: إلى أيّ حدّ انحدرت كرامة الرجل لأن يستغل زوجته؟ أليست لديه كرامة أو نخوة؟! لقد كان رجال الأمس يأبون أن تصرف عليهم زوجاتهم رغم فقرهم، أما الآن فالباحث عن زوجة يشترط أن تكون موظفة أو عاملة، لكي تساعده، فهو يبني زواجه على المصلحة والمادة، وينسى قول الله تعالى (وجعل بينكم مودة ورحمة). الأوضاع الصعبة لم تترك بديلاً من جهتها تشير الأخصائية الاجتماعية فخرية السيد شبر، إلى تأثير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الأسر اليوم، وإجبارها الزوجين على الشراكة. وتبين أن الزوجة العاملة من حقها حتى في ظلّ وجود ثقة متبادلة بينها وبين زوجها، أن تسعى لضمان حقها عبر عقد كتابي موثق، إذا كانت إسهاماتها كبيرة مثل شراء عقار، حفظاً لحقها ورسماً لحدود واضحة تجنبها وزوجها المشاكل والمنازعات والخلافات الأسرية، بالاتفاق والتراضي، ولن ينقص هذا الأمر من كرامة وكبرياء الزوج. وتضيف شبر: إن ديننا الحنيف يؤكد أن الزواج يقوم على المودة والرحمة والتعاون، ويوجب على المجتمع العمل على غرس مفهوم التكامل والتفاهم والشراكة بين الزوجين في ظل حفظ الحقوق والواجبات، فالحياة الزوجية ليست حسابات مادية فقط، بل تقوم على التعاون والتضحية والرحمة بين الطرفين، والمرأة الكريمة القادرة لا تنتظر من يوجهها لتكون شريكة ومتعاونة في الإسهام في نفقات البيت، ومن اللائق بها أن تبادر من تلقاء نفسها بمساعدته، لكن هناك أيضاً الزوجة التي تمتنع عن التعاون والإسهام بجزء من راتبها، بدافع الأنانية وطغيان المصلحة المادية. وتؤكد شبر أن صور استغلال الأزواج لرواتب زوجاتهم لم تصل لحد الظاهرة، رغم وجود خلافات حول مسائل عديدة تخص الإنفاق، منها ما يتعلق بتعاون الزوج والزوجة على شراء بيت، ليقوم الزوج بتسجيله باسمه ويتزوج على زوجته لتبقى في غرفة واحدة في البيت أو تكافأ بالطلاق!، ما يوجب على المرأة الحذر.