كتب - طارق مصباح:دعا رجل دين إلى ضرورة الاهتمام بالوقت وتنظيمه، وحذروا من تضييعه بما يلهي عن ذكر الله، وتحول دون تحقيق الأهداف السامية من وراء دقائقه وساعاته، وقالوا إن تنظيم الوقت يبني أسرة متماسكة تؤدي واجباتها وتصون حقوقها.ووجه خطيب جامع فاطمة الشيخ فايز الصلاح، عموم أفراد المجتمع إلى استثمار عامل الوقت في حياة المسلم، وتخصيص جزء منه لرعاية الأسرة والأبناء والوالدين. ^ ما أهمية الوقت في حياة المسلم كما بينها القرآن والسنة وأحوال النبي صلى الله عليه وسلم؟.لاشك إن للوقت في ديننا أهمية عظيمة، ولعظم أهمية الوقت أقسم الله تعالى به في آيات كثيرة من كتابه الكريم، منها قوله تعالى (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). فأقسم جل وعلا بالعصر، وهو الدهر الذي هو زمن تحصيل الأرباح والأعمال الصالحة للمؤمنين، وزمن الشقاء للمعرضين، ولما فيه من العبر والعجائب للناظرين.ويوم القيامة يُسأل عن وقته فيما أفناه كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ”.^ كيف يستطيع المسلم أن يحقق أهدافه السامية من خلال تنظيم وقته؟.كي يستثمر المسلم وقته في مرضاة الله وفيما يفيده في دنياه وآخرته، لابد أن يجعل له عمراً ثانياً، فالذكر للإنسان عمر ثانٍ، بما يعمل من صالحات باقيات، فإن آثار هذه الأعمال تمتد إلى ما بعد الموت، ويبقى عمله موصولاً حتى بعد موته يؤدي رسالته للأحياء، وحتى يكون وقت المسلم مباركاً لابد من فعل جملة أمور، منها اغتنام الوقت والحرص عليه قدر الإمكان، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ، شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”، والمبادرة إلى الأعمال الصالحة وخاصة الفروض يؤديها في وقتها من غير تأخير، والاستيقاظ مبكراً فإن فيه بركة في كل شيء كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "بورك لأمتي في بكورها”، ومجالسة الصالحين والابتعاد عن الفاسدين.^ ما قولكم لمن يهدر وقته في متابعة أحداث دامية تعصف بالدول الإسلامية، دون أن يؤدي دوراً إيجابياً في رفع الجهل الشرعي عن نفسه وأهل بيته، وتعلم العلم الشرعي أو حتى قراءة القرآن ودراسته والحفاظ على الفرائض؟.المسلم لا ينفك عن الواقع وخاصة ما يتعلق بواقع المسلمين، وينبغي ألا نضيع الوقت في الحسرات على إخواننا المسلمين، وحسب بل كل منا يؤدي ما يقدر عليه، وما يتناسب مع توجهاته، وكل ميسر لما خلق له، فهذا يساعد إخوانه بعلمه وهذا بماله وذاك بنفسه وآخر بدعائه، فإن عجز فليمسك لسانه عن إخوانه.بقية الجوانب عن قضية الوقت في حياة الفرد والمجتمع، أجملها مدرس العلوم الشرعية بالمعهد الديني الشيخ عبدالله الحسيني.^ ما هي الأمور التي تحول دون استثمار وقت المسلم على الوجه المطلوب؟.أرشدنا ديننا الإسلامي الحنيف إلى أهمية الوقت، وأقسم الله تعالى بالزمن فقال (والعصر)، والباري سبحانه لا يقسم إلا بعظيم، وحذّر نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من تضييع نعمة الوقت فقال (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.. الصحة والفراغ)، ومن يتأمل الأحكام الشرعية ويرى ما فيها من تحديدٍ لمواعيد أدائها، وتحذيرٍ من التساهل والتجاوز بها عن توقيتها، يجد في ذلك تربيةً وتعليماً لنا على تنظيم أعمالنا والقيام بها في أوقاتها المحددة، ودعوةً إلى حسن استثمار أوقاتنا وإدارتها بكل فاعلية، باعتبار أن الوقت هو الحياة، وإذا لم نُحسن استغلال أوقاتنا خسرنا الكثير، لأنها أنفس ما نملكه، وما انقضى من الوقت لا يعود ولا يعوض أبداً.ويمكننا أن نرجع أهم ما يحول دون استثمار وقت المسلم على الوجه المطلوب إلى أمرين، عوامل ذاتية تتعلق بالإنسان نفسه، كالغفلة عن قيمة الوقت، والتسويف أو التكاسل، وعدم وضوح الأهداف والأولويات وضعف التخطيط، وعوامل خارجية تتعلق بمحيط الإنسان كالأسرة والأصدقاء والمجتمع. ^ كيف يمكن للمسلم أن يتغلب على هذه العوائق؟.من أهم الخطوات التي تعين المسلم على تجاوز هذه العوائق، الإحساس الحقيقي بأهمية الوقت، فإذا أدرك المسلم قيمة وقته، كان حريصاً على اغتنام كل لحظة فيما يقربه من ربه سبحانه، وتحديد الأهداف والأولويات، فيجعل المسلم تحقيق العبودية لله بمعناها الشامل غاية يعيشها ويعيش من أجلها، قال تعالى (وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون)، ويذلل كافة الأهداف والأولويات ويرتبها حسب أهميتها لتحقيق هذا الهدف الأعظم، والتنظيم السليم والتخطيط الجيد، والاستعانة بكل الوسائل المعينة لتحقيق ذلك، وتجنب العفوية والعشوائية والارتجال، والحذر من التسويف والتكاسل، فلا يؤجل المسلم عمل اليوم إلى الغد، ويتعرف على أسباب المماطلة وسلبياتها، ويتخذ خطوات عملية لتلافيها، والحذر من مصاحبة قتلة الوقت الذين يسعون لتضييعه ويجهلون قدره ولا يؤدون شكره، فمصاحبة أمثال هؤلاء قتل حقيقي للنفس وجريمة انتحار بطيء. ^ كيف يستطيع المسلم أن يوازن في وقته، بحيث يعطي كل ذي حق حقه ابتداءً من نفسه وما يليها؟.إذا استطاع المسلم إدارة وقته بفاعلية سهُل عليه أن يعطي كل ذي حق حقه، فكما يأخذ من الحياة لابد أن يعطيها، وكما يستهلك منها ينبغي عليه أن ينتج لها، فلا ينسى أو يهمل واجباته اليومية نحو خدمة أسرته عائلته ومجتمعه وقضاء حوائجهم وتسهيل أمورهم، فيصبح بذلك مشعاً بالخير والنفع والسلام لمن حوله وما حوله، مستثمراً لوقته بكل نافع ومفيد.^ ما هو توجيهكم للأسر التي غاب عنها تنظيم الوقت، فلا الأب ولا الأم يقومون بدور رعاية الأبناء ومتابعتهم، ولا الأبناء يجدون الفرصة لشغل أوقاتهم فيما يعود عليهم في كسب الأجور نظراً للتركيز على الجوانب التعليمية والترفيهية فقط دون الشرعية في الغالب؟.إن المشكلة الحقيقية في الوقت الأسري هي غياب الهدف التربوي الإسلامي، وضعف الشعور بأهمية الوقت، وسوء التنظيم، وعدم إعطاء الأسرة أولوية تُذكر ضمن أولويات الحياة، ومَن يجعل التربية الإسلامية رسالة على رأس الهرم، ثم يتقن فن تنظيم وقته لتحقيق ذلك، يتمكن حتماً من تنظيم وقت أسرته بكل ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وحتى نغير واقع حياتنا الأسرية إلى الأفضل نحتاج إلى وقتٍ كافٍ قبل المحاولة، ووقتٍ كافٍ أثناءها، ووقتٍ كافٍ بعدها لتقييم ما استطعنا تغييره وغرسه من المبادئ والقيم الإسلامية في أبنائنا وفلذات أكبادنا.