^ كان توصيفاً مؤثراً الذي قدمه لي أحد الخبراء الحقوقيين العاملين في الجامعة العربية حين زار البحرين بعد رفع حالة السلامة الوطنية، قال: «أنتم غير منظمين، لقد بذل شبابكم في اللجان الشعبية فترة الأزمة دوراً تنظيمياً تجاوز دور الدولة، ولكنكم مازلتم غير منظمين وتلك مشكلة خطيرة يجب أن تحلوها»!! كانت إحدى إيجابيات أزمة فبراير 2011 أن اتجه شباب الفاتح إلى المشاركة في الشأن العام، وكانت البداية في التجمع في ساحة الفاتح رفضاً للإرهاب والإقصاء والتهميش، ثم في تنظيم اللجان الشعبية التي تابعت أمن المناطق السكانية واحتياجات أهلها فترة احتلال الدوار واستباحة أمن المواطنين الأبرياء، ومن ثَم استمر العديد من شباب الفاتح في الدفاع عن البحرين وإظهار الصورة الحقيقية لحركة الاضطرابات الأمنية عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي وبعض التجمعات والمحاضرات، لكن الحراك الإيجابي السابق لم يدخل مرحلة التنظيم بما يكفي كي يكون تأثيره ذا ديمومة وتراكمية تصقل خبرات الشباب السياسية وتؤهلهم للعمل السياسي المحترف الذي نأمل أن يغير التوازنات السياسية في الخارطة البحرينية ويضبطها. من نماذج الحراك المنظم لشباب الفاتح جمعية «كرامة» لحقوق الإنسان التي تشكلت أثناء الأزمة، وعملت على توثيق حالات الاعتداءات والانتهاكات الممنهجة ضد المواطنين، ولم يكن الشباب الذين أسسوا الجمعية على خبرة أو ممارسة سابقة في مجال حقوق الإنسان، وإنما وجدوا الساحة فارغة إلا من عناصر 14فبراير الذين عملوا على ترويج أكاذيب المجازر ، وأخبار دك القرى بالدبابات والجثث الملقية على الأرصفة، وتمثيليات غاز الأعصاب...الخ، في حين كانت عناصرهم الإرهابية تحاصر فقراء الأجانب في أحياء المنامة، وتختطف رجال الأمن وتعتقلهم في مستشفى السلمانية أو ترسلهم لمقر الأسرى في دوار مجلس التعاون. عملت جمعية كرامة على توثيق عدد كبير من الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون والأجانب، وجندت العديد من الشباب المتطوع للبحث في الأحياء والمناطق السكنية للاستقصاء عن حالات الانتهاكات وتقديمها إلى اللجنة الملكية لتقصي الحقائق، وكان لها دور بارز، مع باقي الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، في إثبات أن المواطنين السنة والأجانب الآسيويين تحديداً هم من تعرض لإرهاب ممنهج من قبل (ثوار البحرين المزعومين)، وهو ما تم تثبيته في تقرير اللجنة وأعطى مؤشراً صريحاً إلى طائفية حراك 14فبراير وعنصريته. ولأن لجنة تقصي الحقائق لم توثق بما يكفي بعض حالات الانتهاكات الشديدة مثل مقتل سائق التاكسي وقطع لسان المؤذن وهي حالتان تم عرضهما على اللجنة وإثبات الاعتداء عليهما من قبل عناصر 14 فبراير، فإن جمعية كرامة واصلت دورها في توثيق هذه الانتهاكات والدفاع عن عدالتها، فاجتمعت مع رئيس اللجنة البروفسور بسيوني في الشهر الماضي واستدركت على التقرير هذا التقصير، أملاً في رد الاعتبار لذوي الضحايا وإثبات حقهم في توثيق الجريمة التي تعرضوا لها. توجُه القائمين على جمعية كرامة بتنظيم عملهم في مجال حقوق الإنسان في إطار تنظيمي هو (الجمعية)، وعملهم المنظم وفق رؤية واضحة وأهداف محددة توج جهودهم بإنجازات كبيرة قياساً بالمدة الزمنية لعملهم وبإمكاناتهم المادية المحدودة، وهو عمل يستحق الثناء والاقتداء به من قبل بقية شباب الفاتح الذين مازالوا يشاركون في الشأن العام في إطار غير منظم، مما قد يؤدي إلى تشتيت الجهود وتضاربها وقلة الفائدة منها، إن العمل السياسي ليس تجمهرات وخطابات وتغريدات في التويتر، فحسب، كما إنه ليس أفلاماً تبث في اليوتيوب ومقالات تعلق في الفايس بوك، العمل السياسي يحتاج إلى جمعيات وتنظيمات تسبك كل هذه الجهود في برنامج عمل ممنهج يقوم على تراكمية الإنتاج وتوثيقه، ومتابعة الأوضاع والبناء عليها لتشكيل رؤية للواقع وقراءة للمستقبل. كما إننا في الوقت الحاضر لا نستطيع تجاهل انشغال بعض التشكيلات الشبابية بالخلافات أو الاستقطابات التي قد تضيع بوصلة العمل الموجه لحماية البحرين ممن يتربصون بها إلى قضايا ليست هي ذات الأولوية في هذا الوقت الحرج من تاريخ البحرين، ولن تخدم الحراك الشبابي الذي نعول عليه كثيراً لمستقبل أفضل. نتمنى أن تشهد المرحلة القادمة الإعلان عن جمعيات شبابية ذات صلة بحقوق الإنسان، أو الإعلام، أو أي من القضايا الحيوية التي تستحق عملاً منظماً، كما نتمنى أن ينتج عن هذه التنظيمات مراكز إعلامية ونشرات دورية وأنشطة توعوية وتدريبية لباقي الشباب، ونتمنى أن تعد هذه الجمعيات كوادرها للحصول على تمثيل في المنظمات الدولية، وأن تقوي علاقتها بتلك المنظمات كي تكسر احتكار عناصر 14فبراير لخط التواصل مع هذه المنظمات والبث المعلوماتي المفبرك للعالم. مازلنا في أول الطريق لتنظيم حراك أبناء الفاتح السياسي والحقوقي، ولكن البدايات الصحيحة مثل بداية جمعية كرامة تبشر أن بلوغ الهدف سيكون حتمياً بإذن الله. ^ لمن يعنيهم الأمر.. حالياً تقوم جمعية كرامة ولجنة حقوق الإنسان بتجمع الوحدة الوطنية بتلقي طلبات الحصول على تعويضات من صندوق التعويضات الذي شُكل مؤخراً، وقد أعلنت لجنة حقوق الإنسان بتجمع الوحدة الوطنية أن الحصول على تعويض لا يعني إسقاط الحق القانوني لمن رفع قضية ضد المعتدين في المحاكم. نتمنى ممن يستحق التعويض التقدم لإحدى الجهتين أو أي جهة تعمل في المجال نفسه لمتابعة الحصول على التعويض المناسب، وكما ذكرت في مقال سابق، فإن الهدف من تقديم طلب التعويضات ليس الحصول على مبلغ مالي أو تعويض مادي، بل هو استمرار لعملية توثيق الانتهاكات، وتثبيت حقوق، وإثبات حجم الضرر الذي تعرض له مواطنون أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل في الأحداث الأمنية المؤسفة
الحراك التنظيمي لشباب الفاتح.. جمعيــــة كرامـــة نموذجـــاً إيجابيـــاً
15 أبريل 2012