عقب ثورات الربيع العربي ارتفع عدد المسلمين في المجتمعات الأوروبية بشكل ملحوظ، مما أثار قلق الحكومات والأجهزة الرسمية في عدد كبير من الدول الأوربية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وهو الأمر الذي دفع عدد من المراكز البحثية المعادية للإسلام إلى إطلاق تحذيرات تخوف المجتمعات الأوربية من أسلمة أوربا، مستخدمين في هذا الإطار عددًا من القضايا التي تثير نقاشات حادة في الأوساط الأوروبية، كمسألة الإرهاب والهجرة والحجاب والتجنيس.وفي إطار ظاهرة "الإسلاموفوبيا” التي تغذيها بعض مراكز الدراسات والأبحاث بشكل متعمد أو غير متعمد، وجهت كبرى المؤسسات البحثية "IFOP” الفرنسية تحذيرات من انتشار الإسلام في أوروبا، من خلال دراسة رصدت فيها نظرة الأوروبيين إلى "الإسلام” في عدد من الدول الأوروبية خلال الأعوام العشرة الماضية، وأصدرت عدة دراسات تحذيرية كانت آخرها تحت عنوان "نظرة الأوروبيين إلى الإسلام"، وتضمنت هذه الدراسة استبيانات أجريت في أربع دول هي بريطانيا وفرنسا وهولندا وألمانيا، وشملت نحو 3آلاف مواطن أوروبي تجاوز الثامنة عشر عاماً، خلال الفترة الممتدة من 9-18 أبريل 2011.وأكدت الدراسة أن عدد السكان الذين يعتنقون الديانة الإسلامية في أوروبا يتراوح بين 12-13مليون مسلم من أصل 377مليون نسمة أي ما معدله 4% من السكان الأوروبيين، ووفقًا لتقديرات الدراسة فإن فرنسا تضم أكبر عدد من المسلمين على أراضيها حيث يبلغ عدد المسلمين بها نحو 5ملايين مسلم، تليها ألمانيا أكثر من 3ملايين مسلم، تليها المملكة المتحدة أكثر من 2مليون مسلم ثم هولندا التي تضم 696000مسلم.ومن خلال استبيان تناول نظرة مواطني فرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا للمسلمين في بلدانهم حسب ما جاء بالدراسة، اعتبر42 % من المستطلعين الفرنسيين، و40% من الألمان، و44% من الهولنديين، و47% من البريطانيين أن المسلمين يشكلون تهديداً لهويتهم، وهي النسبة الأعلى من بين إجابات أخرى رأت في وجود المسلمين عامل من عوامل الثراء الثقافي، حيث أظهرت الأرقام أن 22% من الفرنسيين، و24% من الألمان، و19% في كل من هولندا وبريطانيا، يروون في وجود المسلمين بينهم عاملاً يثري ثقافة وطنهم، ومؤشرًا على التعددية الثقافية مقابل ذلك، أبدى 36% من الفرنسيين والبريطانيين، و37% من الهولنديين، و34% من الألمان عدم اهتمامهم بتفسير ظاهرة المسلمين في بلادهم.وعلى الرغم من ارتفاع النسب التي تشير إلى وجود "الإسلاموفوبيا” بقوة في هذه المجتمعات، بمعدل يصل إلى 40%، إلا أن الباحثين في هذه الدراسة، استنتجوا أن ما يزيد عن 50% من المستطلعين لا يرون في المسلمين أي تهديد على الهوية الوطنية، كما أنهم لا يجدون ما يعبر عنهم في فرضيتي: تهديد الهوية، والثروة الثقافية، ما يفتح المجال الواسع للبحث عن الإجابات حول "نظرة الأوروبيين إلى المسلمين”، والتي قد تصل إلى النظرة لـ”الإرهاب”؟ويبدو أن قضية عدم "اندماج” المسلمين في المجتمعات الأوروبية، وفقًا لمعايير هذه المجتمعات، تأتي بمثابة العامل الأساسي، الذي يساعد على تنامي ظاهرة "الإسلاموفوبيا”، وهو العامل نفسه الذي ما زال يقوّض مساعي منظمات المجتمع المدني الأوروبي المعنية بالحفاظ على حقوق المسلمين إذ تفيد الدراسة بأن القلق من "الإسلام” في المجتمعات الأوروبية واعتباره تهديدًا لهم، ناجم عن عدم قدرة المسلمين على الاندماج في هذه المجتمعات.ففي هذا الشأن، رأى 47% من المستطلعين في بريطانيا، و48% من الفرنسيين، و55% من الألمان، و60% من الهولنديين، أن المسلمين لا يندمجون غالبا في مجتمعاتهم، في مقابل 35% من البريطانيين، و32% من الفرنسيين، و25% من الألمان، و23% من الهولنديين يرون أن المسلمين مندمجين تماماً في مجتمعاتهم.وفيما لم تحدد الدراسة معايير "الاندماج” ومجالاته الاجتماعية، سواء التعليم أو الثقافة، أو المناسبات الاجتماعية والأخرى الوطنية، رصدت الدراسة أسباب عدم اندماج المسلمين في المجتمع الأوروبي من جهة نظر المستطلعين، الذين حددت لهم عملية الاختيار بين الإجابات.وفي هذا الإطار، ألقى 61 % من الفرنسيين، و67 % من الألمان، و 61 % من الهولنديين، و64% من البريطانيين باللائمة على المسلمين، معتبرين أنهم هم من يرفضون الاندماج مع الآخرين. في حين رأى 40% من المستطلعين الفرنسيين، و34 %من الألمان، و47% من الهولنديين، و39% من البريطانيين أن الاختلافات الثقافية الشديدة هي السبب، ليعزو 37 % من الفرنسيين، و32 % من الألمان، و 34 % من الهولنديين، و58% من البريطانيين، سبب عدم اندماج المسلمين إلى حصر وجود المسلمين في مدارس ومناطق معينة، بينما انخفضت هذه النسب للأسباب "العنصرية” والصعوبات الاقتصادية.وانتقلت الدراسة للبحث في المظاهر التي تدل على تواجد المسلمين، كالحجاب والمساجد، والتي قد تثير حفيظة الأوروبيين المتمسكين بفصل الدين عن الدولة. حيث إن شريحة واسعة من الأوروبيين ترى في هذه المظاهر تحديا حقيقيا لسياسة العلمانية، ظنا منهم أن المسلمين في أوروبا يسعون لأن يكون التشريع الإسلامي مصدرا للحكم في حين أن الأوروبيين ناضلوا على مرّ التاريخ لحجب تأثير الدين عن الحياة اليومية، ولفصل سلطة الكنيسة عن الحكم.هذا التخوف تجسد في نتائج استبيان عن "الموقف المناهض” لتداخل الإسلام في الحياة السياسية، حيث تبين أن 74% من الفرنسيين يعارضون دخول أحزاب أو ممثلين باسم الديانة الإسلامية إلى المعترك السياسي، في مقابل 43% في بريطانيا، و41% في هولندا، و32% في ألمانيا.وتكشف هذه الدراسة عن مؤشرات في المجتمع الأوروبي، من بينها تداول مصطلحات تميز بين المواطن الأوروبي وبين "المسلم”، حيث لم يعد المنشأ الجغرافي للمهاجرين هو المهم بالنسبة للأوروبيين، بقدر ما يتم التركيز على الديانة، فبدلا من استخدام مصطلح "السكان من أصل شمال إفريقي”، حلّ محله مصطلح "عدد السكان من أصل مسلم”، سواء في وسائل الإعلام أو في التصريحات السياسية، الأمر الذي يظهر حاجة المسلمين إلى "صحوة” إعلامية وبحثية، لمجابهة تحديات حقيقية قد تتحول إلى شبح يطارد مسلمي أوروبا.