أعلنت مدينة داريا في ريف دمشق "مدينة منكوبة" عدة مرات خلال الشهر الماضي، كما تواصل القصف الشديد عليها بحيث إن المراقب يشعر أن ثمة ثأراً شخصياً بين المدينة وبين نظام الأسد، وربما تكون حمص هي المدينة الوحيدة التي نالت من العقاب والقصف أكثر من داريا.وإن كان الثأر الشخصي لا يبدو بعيداً عن طريقة تفكير نظام الأسد، فإن قرب المدينة من دمشق يجعل السيطرة عليها ضرورية من وجهة نظر النظام، إذ إن بقاءها خارج السيطرة مع جارتها "المعضمية" يجعل العاصمة مكشوفة الخاصرة، خصوصاً أن داريا والمعضمية تعدان من المدن الكبيرة التابعة لمحافظة ريف دمشق، وكثرة موتى المدينتين جعلت من الناس كتلة من نار لاهبة، فكلما زاد دم أبنائها زادت اشتعالاً ورغبة بإسقاط النظام.وتبدو المدينة الآن أشبه بمدينة الأشباح، فالدمار الذي أحدثه القصف عليها سوّى أبنيتها بالأرض، ولم يستثنِ ذلك القصف مساجد المدينة، إذ تم قصف 11 مسجداً في المدينة، ما أدى إلى دمارها كلياً أو جزئياً، ويأتي مسجد حزقيل والمنبر والتوبة وعثمان بين عفان والخلفاء الراشدين ضمن قائمة المساجد التي تعرضت لانتقام النظام من المدينة التي تحدّت الأسد منذ بداية الثورة في سوريا.تدهور الحالة الإنسانيةوتغرق المدينة في انقطاع كامل للخدمات الأساسية والمواد الغذائية والطبية. كما يعاني معظم أهالي داريا الذين نزحوا منها من ظروف معيشية بالغة السوء في الجو البارد وفي ظل نقص مستلزمات المعيشة من بطانيات وألبسة ومحروقات، إضافة إلى نقص المواد الغذائية والطبية.ولكثرة قتلى المدينة وسحب الكثير منها تحت الأنقاض، فإن نداءات استغاثة خرجت أكثر من مرة من ناشطين داخل سوريا وخارجها لوقف الحملة العسكرية على المدينة دون أن يكون لتلك النداءات صدى حقيقي وفعال.وقبل يومين، ومع استمرار الحملة، سجل يوم الخميس 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اليوم الثاني والعشرين الذي يعد الأكثر شراسة منذ بدء الحملة، حيث استمر النظام في استخدام راجمات الصواريخ وطائرات الميغ في قصف المدينة، ما خلف دماراً كبيراً في المدينة وأدى إلى استشهاد ستة أشخاص.وقتل من عائلة زيادة وحدها ثلاثة أطفال مع جدهم.حكايا القتل والدمار في سوريا لا تنتهي، وتنتقل عدوى الموت ما بين المدن وكأنها عشقت هذه الأرض، وتبدو داريا القريبة من دمشق حاملة لأسى الريف الدمشقي، خاسرة أبناءها يوماً بعد آخر، ومصرة على كتابة "الله أكبر" على بقايا جدرانها المدمرة.