^ التنازلات.. الحل الأمني والحل السياسي.. الأغلبية والأقلية.. حرية التعبير.. الحق.. الضمانات الدستورية.. سيادة القانون.. الناشط السياسي والناشط الحقوقي.. إلخ. هل خُدع الرأي العام البحريني بهذه المفاهيم وصار يعيش في حالة من التشتت بسبب هذه المفاهيم التي تم تسويقها عليه داخلياً وخارجياً لدرجة أنه بات لا يعرف ما هو حقيقي وغير حقيقي؟ شخصياً أعتقد أن هناك من خدع الرأي العام البحريني، وهو بلاشك خطأ تاريخي تتحمل مسؤوليته عدة أطراف وليس طرفاً واحداً كالحكومة مثلاً. وحان الأوان لتصحيح مثل هذا الخطأ التاريخي ليعي الرأي العام حقيقة هذه المفاهيم التي يتم التشدق بها داخل وخارج البلاد. من صنع هذه المفاهيم؟ وما هي مصلحته في تسويق هذه المفاهيم بهذه الطريقة؟ وهل يمكن أن يحقق أجندات معينة من ورائها؟ والسؤال الأهم؛ هل بالفعل هذه المفاهيم مشابهة لما يطرح الآن ولما يعتقد به الرأي العام؟ أتصور أن الوضع يستدعي توضيحاً عاجلاً للعديد من المفاهيم التي يجب توضيحها وكشف أبعادها، ويمكن تقديمها في سلسلة سريعة من التوضيحات والآراء. وحتى نبدأ مثل هذه السلسلة يمكن توضيح أهمية لعبة المفاهيم التي تحولت إلى خدعة من خلال قضية هامة مثل التجنيس. قضية التجنيس خلقت لنا مفهوماً جديداً إذ صارت شريحة واسعة من الرأي العام البحريني تتحدث عن وجود أغلبية شيعية وأقلية سنية، وبمرور الوقت تحول هذا المفهوم إلى حقيقة واقعة، وصار موجوداً في الخطاب السياسي المحلي، ليس ذلك فحسب، بل صار موجوداً على سبيل المثال في العديد من التقارير السياسية الغربية التي تحلل الأوضاع في المنامة، إضافةً إلى كونها باتت خلفية خبرية لوكالات الأنباء الدولية عندما تنقل خبراً حول البحرين (جدير بالذكر أن البحرين تتواجد بها أغلبية شيعية وأقلية سنية حاكمة..). لو أجرينا عملية بحث معمقة حول طبيعة التركيبة الديمغرافية في البحرين، وتحليل الأوضاع الإثنو - طائفية فيها سنجد أنه من الصعوبة بمكان معرفة هذه النسب في ظل غياب إحصاءات سكانية تحدد أصول المواطنين والمقيمين ومذاهبهم. وبالتالي فإن أي نسب مطروحة عندما يتم الحديث عن التركيبة الإثنو - طائفية فإنها لن تتجاوز التقديرات التي قد تكون قريبة للصحة، وقد تكون بعيدة عن الصواب تماماً. وبالتالي فإن الأدبيات المحلية والعربية وحتى الغربية التي تتحدث عن مفهوم الأغلبية الشيعية والأقلية السنية لن تكون دقيقة علمياً، وإنما تعتمد على مفهوم تم تسويقه وتكوين صورته الذهنية عبر عقود طويلة من الزمن. ولكن ماذا ترتب على هذا المفهوم؟ ببساطة صارت مواقف الدول الغربية تبنى على هذه الحقيقة من خلال الدراسات التي تقوم بها مراكز الأبحاث الأجنبية حول البحرين، ولذلك وجدنا مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان تتحدث عن مظلومية طائفة دون أخرى في البلاد، وتدافع عنها باستماتة فريدة وغريبة جداً. وصرنا نقرأ العشرات من الدراسات التي تتحدث عن الوضع الأمثل في النظام السياسي البحريني من خلال تمكين طائفة على أخرى، ولا تتحدث في الوقت نفسه عن ضرورة التوازن بين مكونات مجتمع البحرين المتعدد. وصرنا أيضاً نقرأ دراسة أمريكية حول كيفية إعادة تصميم دستور مملكة البحرين بشكل جديد بحيث تكون تفاعلات النظام قائمة على سيادة ونفوذ الطائفة الشيعية دون غيرها. من خلال هذا المثال البسيط أعتقد أن أهمية لعبة المفاهيم صارت أكثر وضوحاً وكيف تم خداع الرأي العام البحريني بها مفهومة.
لعبة المفاهيم خدعة
15 أبريل 2012