من قلب العاصمة السورية.. يمكن مشاهدة الدخان الأسود وهو يتصاعد فوق الروؤس والإحساس بالانفجارات وهي تدك الأرض دكا مع اقتراب أهوال الحرب من دمشق شيئا فشيئا.كانت الساحات التي نزل فيها يوما عشرات الالاف من المؤيدين للرئيس السوري بشار الاسد خاوية وتطوقها من كل جانب جدران أسمنتية يصل ارتفاعها إلى مترين.وبعد نحو عامين من تفجر الصراع تتأهب دمشق لقدوم قوات المعارضة ودخولها في عمق العاصمة وتظهر بوضوح علامات القلق على وجوه المواطنين.وقالت سعاد وهي مهندسة ديكور في حي الصالحية "القلوب تمتليء بالخوف والألم. هناك شعور باليأس والشلل نظرا لهول المشكلة. أصوات كل أنواع الانفجارات من قذائف مورتر ومدفعية ونيران الطائرات الحربية توحي بأن جبهة القتال تقترب."لقد نجت هذه المدينة القديمة من غزوات وفتوحات عبر العصور من الاسكندر الاكبر للخلفاء الراشدين الى الحروب الصليبية. وبعد ان اجتاحها المغول في 1400 سيطر عليها العثمانيون واحتلتها جيوش أوروبية في القرن الماضي. وهي الان تتعرض لهجوم جديد لكن هذه المرة من ابنائها.ويوم الاحد الماضي هاجمت الطائرات السورية مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وهو من أكثر المناطق ازدحاما في العاصمة السورية حيث تتكدس المنازل المبنية من الاسمنت. كانت الغارات التي يعتقد انها قتلت 25 شخصا الاقرب الى وسط دمشق إذ كانت على بعد نحو 1.5 كيلومتر.حذر الجيش السوري سكان اليرموك السوريين والفلسطينيين الفقراء وطلب منهم ترك المنطقة استعدادا لعملية "تطهير" وزاد القصف من شدة التوتر في أسبوع شهد اشتباكات داخلية بين فلسطينيين مؤيدين للأسد وآخرين معارضين له.وفي وقت متأخر من أمس الاثنين قال مقاتلو المعارضة انهم سيطروا على المخيم وان القوات الحكومية تحتشد عند طرفه الشمالي.وبدأت موجة نزوح جديدة شملت الاف السكان هم أحدث ضحايا اعمال العنف التي أجبرت كثيرين بالفعل على الفرار من ضواح عديدة حول دمشق مع تشديد مقاتلي المعارضة قبضتهم على المشارف الشرقية للمدينة وضواحيها الجنوبية.ولاذت اسرة ام حسن بالفرار للمرة الثالثة خلال أشهر. فقد فرت من حصارين لضاحيتين سيطر عليهما مقاتلو المعارضة.. والان تتعرض الشقة التي استأجرتها في اليرموك للنيران. قالت الأم "مرة اخرى علي ان أرحل. لا اعرف متى سينتهي هذا. الله معنا."ويتمتع الاسد بتأييد في دمشق من جانب العلويين أبناء طائفته الذين يخشون من ثأر جماعي من جانب مقاتلي المعارضة السنة اذا سقط الرئيس الذي يتمتع أيضا بتأييد المسيحيين الذين أقلقهم تغلغل اسلاميين متشددين سنة بين صفوف قوات المعارضة السورية. كما يتوق عدد كبير من سكان دمشق الذين ينتمون الى الاغلبية السنية الى الاستقرار ويخشون ان يفتح رحيل الاسد الابواب أمام الفوضى فقط. وهناك آخرون يبتهلون كي يرحل على أمل ان تنتهي الحرب. ومهما تباينت وجهات النظر السياسية يضع المدنيون سلامتهم فوق كل شيء. وبدأت الاسر التي لها بيوت في قلب دمشق في استضافة أقارب وأصحاب من النازحين المحاصرين. لكن هناك مؤشرات على أن كرم الضيافة ربما قد لا يتسع للمزيد.قال عصام "انتقلت الى منزل أبي أنا وأسر أخوتي. ومنزل أسرة زوجتي مليء بأعمامها وعماتها. من لديه مكان الان؟ غالبية الاسر التي اعرفها على هذا الحال. أريد ان اعرف ماذا سيحدث للنازحين الذين يجيئون الان."وخلال سيره من عمله الى منزل ابيه رأى ان بعض النازحين الجدد ربما يكونون قد وجدوا حلا "في بعض الاحياء التجارية التي لا تغلق متاجرها أبوابها الامامية بالقفل."وقال "اذا نظرت في الداخل سترى أسرا بالكامل انتقلت الى الداخل. هم لا يستطيعون العودة الى الديار."ورغم التدفق على وسط دمشق الآمن نسبيا انخفضت ايجارات المنازل بل ان بعض الشقق ظلت خالية.وقال احد السكان "أؤجر منزلي بنحو 70 في المئة من المبلغ الذي كنت احصل عليه عادة وهذا اذا وجدت مستأجرا. انت تتصور ان الطلب سيزيد... لكن هناك شعورا بأنه لا يوجد مكان آمن حقا."ويستعد السوريون في العاصمة للأسوأ في صمت. فالكل يريد مولدا كهربائيا خاصا مع تكرار انقطاع الكهرباء. وقال صاحب متجر في الحي القديم انه يبيع 25 مولدا في اليوم. ويكاد يكون الحصول على وقود مستحيلا وارتفعت اسعار اسطوانات الغاز الى أربعة أمثال ثمنها اي نحو 20 دولارا.وأصبح لدمشق الان حدود داخلية.. فحي التضامن وحي القدم في جنوب العاصمة السورية أصبحا بوضوح تحت سيطرة قوات المعارضة. ويشرف مقاتلو المعارضة على نقاط التفتيش ويوزعون الخبز وينقلون الطعام من مناطق الريف القريبة الواقعة ايضا تحت سيطرة قوات المعارضة.وفي الاسبوع الماضي حلقت طائرة مدنية في الاجواء وكان هذا مشهدا نادرا منذ ان وصل القتال الى الطرق المؤدية الى المطار وأحيا هذا المشهد الامل في قلب خالد.فهو يبتهل إلى الله ان تكون الطائرة التالية هي التي ستنقل الاسد الى المنفى. وقال "يأمل الناس ان يستيقظوا يوما ليجدوه قد فر من البلاد في سلام."