ليس جديداً موت السوريين، حتى إن البعض يقول "سئم الموت من الموت في سوريا"، وربما يكون قتل عبدالرحمن الأتاسي في حمص برصاصة قناص أمراً اعتاده السوريون، ولكن الحزن الذي خلفه عبدالرحمن في حمص كان واضحاً وقاتلاً. في أكبر أحياء حمص "الوعر" جمّع عبد الرحمن الأتاسي شباب حمص الهاتفين "جنة جنة". يبدو شباب حمص وكأن كل واحد منهم يحتاج أعصاب مئة رجل ليستطيع لجم دموعه، وإن كانت حمص تقصف منذ عدة أشهر، وتعيش حصارها الخانق، ويدخل البرد وفقدان المازوت والخبز والبنزين إلى قلب كل حمصي، فإن جنازة الأتاسي أدفأت قلوباً لساعات.

ستقتل.. لا تخرج الآن كتب صديق عبد الرحمن "ف" على صفحته في فيسبوك: "لك عبودي وين طالع ارجاع فوت في قناص عم يضرب على أي شي بيتحرك وكاشف كل شارعنا... عبودي يخرب بيتك لا تجن عم قلك في قناص.. لا تعملي هيك بأيدك ولا.. عم قلك لاتطلع.. بلا جنان.. عبودي عبودي.. يا ويلي يا ويلي يا شباب عبودي اتصاوب يا شباب... عبودي... عبدالرحمن الأتاسي استشهد... ادام عيوني". ولعل التشييع المهيب والحزن الشديد الذي أضفاه عبدالرحمن يمكن أن يصبح مفهوماً أكثر عندما نعرف أنه ناشط منذ بداية الثورة، حيث عمل في الإنشاءات عندما كانت منطقة بابا عمرو تتعرض للقصف، وتطوع حينها لمساعدة اللاجئين والهاربين من القصف. ولعل يوم استشهاده ازدادت العواصف الباردة، وأسقطه رصاص النظام الأسدي فور نزوله لجولته التفقدية اليومية على الحي.

الأولاد يراسلون الأمهات سيحكى عن الثورة السورية أن قتلاها كتبوا رسائل وداع لأمهاتهم، وعبدالرحمن الأتاسي ترك رسالة وداع وضعها تحت وسادة نومه قبل أن يخرج اليوم الذي قتل فيه طلب منها أن تسامحه، وأنه غير قادر على تحمل الظلم والقهر، وختم بأنه يشتاق لرفاقه الشهداء، وإن صرخت هي فوق جثته: "و ين رحت يا ابني و ين الحمد لله ع كلشي ع الجنة يا ابني ع الجنة"، فإن كلماتها أبكت رجال حمص وشوارعها.