مع انعقاد القمة الخليجية الـ33 التي تستضيفها المملكة يوم غد، تجري استعدادات قصوى لما قد يصدر عن القادة الخليجيين من قرارات وما ستسفر عنه المباحثات، سيما منها ما يتعلق بموقف الدول الأعضاء من مشروع الاتحاد الخليجي المنتظر الذي يتوقع أن يتم إقراره في قمة خاصة تعقد لهذا الغرض.ومع توالى ردود الفعل التي تناولت الموضوع، وتعدد التحليلات التي تناولت جدوى إنشاء مثل هذه الاتحاد وضرورة الإسراع في تبنيه وإقراره، جاء رد وزير الخارجية البحريني على السؤال المقدم من أحد النواب حول الخطوات التي تم اتخاذها لتفعيل الدعوة للاتحاد، ليؤكد أن هناك عزما بحرينيا ـ خليجيا مشتركا على المضي قدما في المشروع، وإصرارا على خوض خضم التحديات التي يمكن أن تواجهه أو تعترض طريقه.وكان وزير الخارجية قد أشار في معرض إجابته عن السؤال البرلماني الذي طُرح قبل أيام، إلى أن هناك تطورات جوهرية على هذا الصعيد تجسد الوعي بمخاطر عدم التعاطي الخليجي مع إفرازات الوضع القائم ككيان واحد بمقدوره التصدي للكيانات والقوى الإقليمية النظيرة، مؤكدا أن البحرين رحبت بمقترح سعودي سيسهم إلى حد كبير في التعجيل بعملية إقرار مشروع الاتحاد المتوقع أن يتم مراجعة الدراسات التي تناولته ومناقشة آخر ما تم التوصل إليه بشأنه في قمة الغد.وفحوى هذا المقترح الذي تم تدارسه وإقراره، مثلما أكد الوزير، يتضمن أن يكون النظام المؤسس لمجلس التعاون نظاما أساسيا لمشروع الاتحاد المنتظر، وذلك بناء على قرار المجلس الوزاري الخليجي الـ 123 الذي طالب باستكمال دراسة المقترح وما ورد في تقرير الهيئة المتخصصة فضلا عن مرئيات الدول الأعضاء بشأن التعديلات المقترحة على هذا النظام الجديد.وواقع الأمر، أن هذا التطور الملحوظ يكشف عن عدة دلالات مهمة:1 ـ أن الانتقال إلى مرحلة الاتحاد بات وشيكا، ولا ينتظر سوى مراجعة بعض الأمور الإجرائية والتنظيمية التي يمكن اعتبارها شأنا إداريا محضا حتى تراعي عملية التحول للاتحاد خصوصيات الدول الأعضاء وظروفهم المختلفة وبما يلبي من جانب آخر أحد أهم مطالب الشعوب الخليجية من الاتحاد.2 ـ أن الاتحاد الخليجي المنتظر هو هدف استراتيجي ترعاه القيادات الخليجية وتسعى إلى تحقيقه الدول الأعضاء بكل قوة، بل وبذلت ولا زالت تبذل ما تستطيع من جهود من أجل تذليل العقبات التي قد تواجه هذا الحلم الاستراتيجي، ولعل أصدق تعبير عن ذلك أن البحرين قامت بالفعل بتعيين ممثليها في هيئة الاتحاد التي تم تشكيلها لتجسيد المقترح على أرض الواقع. 3 ـ أن إقرار النظام الأساسي لدول مجلس التعاون باعتباره نظاما أساسيا لمشروع الاتحاد المنتظر، سيضمن التسريع من عجلة الاتفاق على المتطلبات اللازمة لتدشين الاتحاد، سيما منها اللوجيستية والسياسية، على اعتبار أن هناك قاعدة راسخة يمكن الانطلاق منها وبنية أساسية من المشتركات يمكن توظيفها، وذلك وفق برنامج وجدول زمني محدد حتى أنه تم الاتفاق على أن فكرة المشروع ستكون في إطار "كونفدرالي" وليس "فيدرالي" على غرار شبيه بمنظومة الاتحاد الأوروبي.ويبدو هذا التطور مهما بالنظر إلى العوائد الاستراتيجية التي يمكن أن تعود على دول مجلس التعاون والمنطقة برمتها إذا ما تم تجاوز العوائق المعطلة للاتحاد، من بين هذه العوائد:أولا: تطوير العمل بالمنظومة الخليجية في إطار مسيرة المجلس وصيرورته التي زادت عن ثلاثة عقود ونيف، حيث قفزت دول المجلس خطوات واسعة وتجاوزت منظومة التعاون بها مراحل كبرى من مراحل العمل المشترك، وهو ما يُحسب لقادتها وشعوبها بالقياس بكيانات أخرى لم تستطع أن تبقي على وحدتها أو حتى تداوم على اجتماعاتها، ناهيك عن البقاء والثبات مثلما فعل المجلس وسط هذه الأزمات الهيكلية للنظامين الإقليمي والعالمي.ثانيا: تجسيد حلم الاتحاد الخليجي على الأرض، وذلك وفق ما نصت عليه المادة الرابعة في النظام الأساسي للمجلس، والتي تشير إلى أن من أهداف مجلس التعاون هو"تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا الى وحدتها"، ومن الطبيعي أنه بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على إنشاء المجلس أن تحرص دوله على الاستمرار فيما شرعوا فيه للوصول للوحدة.ثالثا: القوة التي يمكن أن يكتسبها مجلس التعاون ومؤسساته في عالم لم يعد يعترف بالدول فرادى، وإنما بالتكتلات الإقليمية وفوق الإقليمية، ولا شك أن وجود كيان خليجي يضارع التكتلات الشبيهة سيمثل طفرة في عالم اليوم، عالم لم يعد يسمح للكيانات الصغرى بالوجود أصلا، خاصة أن منطقة الخليج بطبيعتها تعد من أكثر مناطق العالم سخونة بما تحويه من صراعات ومخاطر، ومن ثم لم يعد ممكنا لدوله أن تواجهها بشكل منفرد.يشار هنا للدلالة على ذلك أن تركيبة دول المجلس السكانية العمرية تعد الأصغر في العالم وينتظر أن تصل لنحو 53 مليون نسمة عام 2020، كما يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس نحو 1.1 تريليون دولار، وتقدر فوائضها المالية بنحو 186 مليار دولار، ويُتوقع أن ترتفع إلى 322 مليار دولار عامي 2012 و2013، وتملك قرابة 40% من نفط العالم، ويصل حجم موجودات في صناديقها الاستثمارية السيادية إلى 1.7 ترليون دولار، أي أكثر من ثلث حجم الصناديق العالمية.رابعا: مواجهة مشروعات أخرى فاعلة تضمر الشر والعداء لدول مجلس التعاون بالأساس، بل وأبدت تخوفاتها من مشروع الاتحاد الخليجي المنتظر تحت دعاوى واهنة متحججة تارة برأي الشعوب وتارة أخرى بحكم الأوضاع التي لا تسمح، وفي الحقيقة أنه إذا كان المجلس قد وُجد وتأسس بفعل ظروف أمنية معينة، فإن هذه الظروف لا زالت قائمة إلى الآن وبشكل أكثر حدة، وزاد على هذه الظروف تحركات مريبة لقوى إقليمية أخرى تحمل مشاريع هدفها تذويب الهوية العربية والإسلامية لدول المنظقة بأسرها، ما يتعين معه التصدي لكل ذلك بقلب واحد.
الاتحاد الخليجي .. مشروع مصيري بصدد التنفيذ
23 ديسمبر 2012