^ شيوخ وعجائز، هم الآباء والأجداد، هم كل الخير والبركة، قدَّموا زهرة شبابهم لأجل البحرين، وها هم اليوم يتوزعون قسراً بين دور العجزة والمسنين وبعضهم الآخر يقبع في زاوية مهملة في غرفته الكالحة، أو يظل بقية حياته مهملاً في وسط المجتمع، وقد تشتد عليه ضغوط الحياة فتنساه الدولة. ليس هنالك من عذر لأي أحد في إهمال هذه الشريحة المباركة التي أعطت كل ما عندها لأجل هذا الوطن ولأجلنا كلنا، وضَحَّتْ بالغالي والنفيس ليرتفع اسم البحرين عالياً، فبَنَت من عرقها ودمائها مجداً تليداً لا يضاهى.. هم أخرجوا النفط وزرعوا الأرض وربوا الأجيال تلو الأجيال، ولم يستمتعوا بزهرات شبابهم أبداً، ولكن ما هي النتيجة؟ النتيجة، أننا خصصنا غرفاً بائسة في منازلنا الفخمة لحبسهم فيها حتى بقية حياتهم، نأتي لهم بالطعام مثلما نفعل للقطط، ومن ثم نغادرهم إلى حيث المتعة والأنس، هذا كل ما فعلناه، أما الدولة فإنها اكتفت بعد تقاعده عن العمل أن تتفضل عليه بعد 55 عاماً أو أكثر بـ 80% من راتبه (الكَحْيَان)، ليصفى له في النهاية بعد استقطاعات لا ترحم سوى القليل. يجب على المجتمع أن يحترم هذه الشريحة التي أعطت ما أعطت لأجلنا ولأجل وطننا، وأن يحافظ عليها ويرد لها الجميل من الفعل والكلمة المخلصة، لا أن يتسابق الأبناء لرميهم في دار المسنين. من جهة أخرى يجب على الدولة أن تقدر كل الجهود المضنية التي بذلها هؤلاء الآباء، وذلك عبر احترامهم وتقديرهم بعطايا مجزية، لا أن توضع قوانين مجحفة ومعتقة منذ نصف قرن لم تتغير رغم دخولنا القرن الـ 21، تعطيهم الفتات. على الدولة أن تنسف كل قوانين التقاعد الحالية بقوانين أكثر إنسانية ورحمة، قوانين تنصف هؤلاء العظماء من الآباء والأجداد، لا أن تجعلهم يهرولون في المساء عند أبواب الصناديق والجمعيات الخيرية يستجدونها من أجل 20 ديناراً في الشهر لسداد فاتورة الكهرباء والماء أو لأجل حقيبة مدرسية لصغارهم، لا يمكنهم شراءها!!. بُح صوت المتقاعدين وهم يطالبون الدولة والنواب والمسؤولين أن يلتفتوا لمشاكلهم المادية والمعنوية، وأن يقدروا تلك الخدمات الجليلة التي قدموها للبحرين. اتصالات ورسائل عديدة تصلني من آبائي المتقاعدين؛ من المحرق والرفاع والبديع ومدينة عيسى وسترة، يطالبونني أن أطرح ولو جزءًا بسيطاً من معاناتهم عبر مقالاتي، وفي كل مرَّة أخجل أن أتحدث عن هذه الشريحة المحترمة، لأنني لا أريد أن أشعرهم أنهم أغراب. هذا لا يجوز أبداً في حق من علمنا وهذبنا وربانا وقدم جليل خدماته لنا بالمجان. لو كان الأمر بيدي (لكنسلت) دار المسنين، وأجبرت الأبناء على «السنع» من خلال احترام آبائهم مرغمين وصاغرين، أما لو كنت مسؤولاً في الدولة لنسفت كل قوانين التقاعد الحالية، وعاملت الآباء كالسَّادة لا كالعبيد ولأعطيتهم من رواتبهم أكثر من 100% دون تردد أبداً، أو حتى دون أن أفلسف وأفسر عجز الميزانية أو غير ذلك على حساب هؤلاء الكبار. أعذروني أيها الآباء الكرام على التقصير، فكل ما قلته في حقكم لا يعادل حبة من خردل فيما أعطيتموه لنا، فشكراً لكم، وتعساً لنا
والله العظيم عيب.. أيـــرضيكـــــم هــــذا؟
15 أبريل 2012