^   تقرع إسرائيل طبول الحرب ضد إيران وضد المشروع النووي الإيراني، وقد بلغ هذا القرع مداه مؤخراً في محاولة نتينياهو جر الإدارة الأمريكية إلى المشاركة في هذه الحرب العدوانية الجديدة المفترضة، أو على الأقل دعمها صراحة في حال هذا العدوان. واعتمد رئيس الوزراء الإسرائيلي أسوأ أنواع الابتزاز السياسي والنفسي ضد هذه الإدارة، عندما لوح بورقة جلبها من أعماق التاريخ من الحرب العالمية الثانية، والمتمثلة في الرفض الأمريكي الرسمي خلال أربعينيات القرن الماضي، بقصف مراكز تجمعات النازية في أوروبا، بالرغم من مناشدات اليهود الأمريكان آنذاك، مما مكن النازيين من قتل ملايين من يهود أوروبا وقتها، مشيراً إلى أن امتناع الإدارة الأمريكية الحالية اليوم عن ضرب البرنامج النووي الإيراني سوف يؤدي في النهاية إلى نتائج مماثلة. من الواضح أنه هذا النوع من الابتزاز المكشوف يقوم على تمثيل تاريخي غير صحيح، وعلى ممارسات الكذب والخداع الذي درجت عليه إسرائيل منذ نشأتها، إذ لا مجال للمقارنة بين ما تعرض له يهود أوروبا من اضطهاد إبان تلك الحرب، وبين إسرائيل اليوم دولة عنصرية مارقة خارجة عن القانون دولة عدوانية واحتلال واستيطان، وليس في موقع المضطهد، بل هي من يضطهد ويعتدي، بل إنها رفضت كل الجهود السلمية لإنهاء العدوان والاحتلال. فإذا كان هنالك من مهدد حقيقي لأمن المنطقة، فهي إسرائيل تحديداً، التي تمتلك لوحدها أكثر من 400 سلاح نووي، وسبقت أن هددت باستخدامها في العام 1973 وتهدد اليوم باستخدامها ضد إيران، أي ضد المنطقة بأكملها في النهاية.. ونحن كعرب، بقدر ما نختلف مع إيران في سياساتها الاستفزازية وتدخلاتها في الشؤون العربية، فإنه يجب أن نرفض رفضاً قاطعاً ومبدئياً أي تدخل إسرائيلي أو أمريكي أو أي عدوان على إيران لأنه لا مصلحة لنا فيه.. صحيح أن وجود نظام سياسي في إيران ينطلق من عقيدة محافظة، ومن مواقف متشددة في السياسة الخارجية، ومن مواقف غير ودية تجاه دول مجلس التعاون (خاصة استمرار احتلال الجزر الإماراتية ومحاولات التدخل في البحرين)، إلا أن إيران تظل في النهاية جزءاً من جغرافية المنطق ومن مكوناتها الاجتماعية والتاريخية والسياسية الهامة، وأن الحكومات والأنظمة تأتي وتمضي وتتغير، وأن الجغرافيا والعلاقات التاريخية والروابط الدينية لن تتغير، وعليه، لا مصلحة لنا مطلقاً في دعم مثل هذا التوجه العدواني، الذي من شأنه إدخال دول الخليج على الخط اقتصادياً وبيئياً وعسكرياً، كما لا يجب أن يغيب عن أذهاننا في أي لحظة أن العدو الرئيسي والثابت للعرب وللمسلمين هو دولة العدوان والاحتلال إسرائيل المدعومة أمريكيا. صحيح أن العديد من دول العالم تتحسس من النهج الإيراني العام، في جوانبه الأيديولوجية أو الأمنية، وهو تحسس يحتاج الإيرانيون إلى جهد كبير لمعالجته بمراجعة بعض السياسات والممارسات، لتكون قادرة على مراجعة التوجهات والسياسات السلبية، بما ينزع فتيل التوتر الذي يسود المنطقة ويهدد استقرارها الذي يعد الشرط الأساسي للتنمية والازدهار كبديل فاعل ومؤثر عوضاً عن خيار القوة والتحدي، إذا ما نجحت في بناء الثقة مع جيرانها ومع العالم.. بالنسبة إلينا كعرب، من المهم ألا تصب مواقفنا في طاحونة العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكياً، بل إن الجهد الحقيقي يجب أن ينصب على العمل على استعادة إيران إلى النظام الإقليمي العربي، كقوة «شريكة»، وهذا التوجه من شأنه أن يبعد عن المنطقة المخاطر، ويشجع الإيرانيين على التخلص من التطرف وتجاوز النزعات المحافظة والاستفزازية. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب صادقين في تخوفهما من المشروع النووي الإيراني، فإن الأولى أن يشمل هذا التخوف الخطر النووي الإسرائيلي الفعلي، فهذا البرنامج هو الذي يقف على رؤوس شعوب المنطقة ويهددها فعلياً.