^ تقول الحكاية إن أستاذاً ما! في جامعة ما! تلقى خطاباً من إدارة الجامعة؛ كان المحرك لكتابة هذه الأسطر. قد يسأل سائل لماذا تنكير الأستاذ والجامعة؟ أقول وإن شئت تنكير المكان والزمان فلا بأس أيضاً؛ لأن العبرة هنا ليست في خصوصية المشكلة وإنما في عمومية السلوك. أي أن الذي استوقفني هو ليس أن المشكلة كانت مع فلان من الناس أياً كان هذا الفلان؛ وإنما فيما يستقى من هذه الحكاية من سلوكيات عامة مستحبة أو مستهجنة. فعندما نقول إن الموظف الفلاني قد كوفئ لكفاءة أدائه الوظيفي، أو إنه عوقب لسوء علاقته الشخصية بالمسؤول؛ هنا العبرة ليست في من هو فلان، وإنما العبرة في المعيار المعتمد للمكافأة والعقوبة. كان الخطاب التي تلقاه الأستاذ يفيد بالاستغناء عن خدماته وإنهاء عقده، وكان خطاباً متوقعاً من حيث هذا المحتوى؛ لأنه كانت لديه أوليات وتسريبات عن الموضوع، ولكنه كان مفاجأة من ناحية الصياغة؛ وهذا ما يهمنا هنا. تنكير (عدم ذكر) اسم الأستاذ لم نبدأه نحن؛ فالخطاب لم يكن موجهاً له أصلاً إنما كان نسخة مصورة عن خطاب موجه أساساً إلى نائب رئيس الجامعة، مع نسخة لعميد الكلية وإداريين آخرين. لم يكن مع صورة الخطاب أية رسالة غطاء موجهة للأستاذ تفيد على الأقل جهة الإحالة. تساءل في نفسه هل يعد هذا إخطاراً له؟ ولا شيء يشير إلى أن هذا الخطاب أو صورته التي استلمها موجهة له، ولا تعريف لجهة الإرسال أو الإحالة!؟.. كان يتوقع أن يستلم خطاباً رسمياً موجهاً له شخصياً؛ يخطره قرار الجامعة. إضافة إلى أنه كان يعتقد أن من دواعي الشفافية، ومن حقه كموظف؛ أن يبلغ بمبررات هذا القرار بصورة رسمية من إدارة الجامعة؛ وأن يُمكَّن من الدفاع عن نفسه في ضوء هذه المبررات. ذلك أن كثيراً من الغموض قد اكتنف ما وصله من مبررات قرار لم يكن سعيداً به قطعاً. لكن أليس المبرر الأكثر رجاحة أن الجامعة لم تكن راضية عن كفاءة أدائه الوظيفي كأستاذ؟ وهذا من حقها أن تستغني عمن أداؤه الوظيفي أدنى مما هو متوقع منه، وأدنى من زملائه في ذات التخصص أو القسم أو الجامعة؛ ضمن المعايير التي تعتمدها الجامعة لقياس كفاءة الأداء الوظيفي لأساتذتها، والتي يفترض أن تكون معلنة ومعروفة وشاملة للجميع؛ حتى يعمل الأساتذة على تحسين أدائهم الوظيفي ضمن هذه المعايير. وإذا كان الأمر كذلك فإنه من المتوقع أن تكون هناك تقييمات مستمرة لكفاءة الأداء الوظيفي للأستاذ مثل أي موظف آخر، سنوية أو فصلية أو غير ذلك، وأن نتائج هذه التقييمات أياً كانت جهتها يُبلغ بها الأستاذ حتى يتمكن من تقويم أدائه الوظيفي؛ إن كانت هناك أية مؤشرات سلبية. هنا حين يكون هناك قرار بالاستغناء؛ يكون هذا القرار مبنياً على منحنى الأداء الوظيفي للأستاذ الذي فشل في تقويمه، رغم مؤشرات ضعف الأداء التي أعلم بها، وربما درست بحضوره ونوقش فيها من قبل مسؤوليه؛ الذين يفترض بهم بكل تأكيد أن يكون أداؤهم الوظيفي أفضل منه. إذ لا يتوقع أن يكون المسؤول الأكاديمي ضعيف الأداء الوظيفي ضمن معايير الكفاءة التي اعتمدتها الجامعة ويناقش أستاذاً بمعيته ويعيب عليه مؤشرات ضعف أدائه الوظيفي ضمن معايير هو أضعف منه بها!!.. ومن الممكن أن تكون هناك أسباب أخرى للاستغناء مثل إلغاء التخصص أو الكلية؛ وهذا يعني توقف الجامعة عن التعيين في التخصص المغلق والاستغناء عن كل أو أغلب أساتذة التخصص في ضوء حاجتها وبالتأكيد ضمن معيار الكفاءة. أو أن يكون الاستغناء عن بعض الأساتذة بسبب قلة عدد الطلبة وفي الحالة الأخيرة بالتأكيد سيكون الاستغناء على أساس المفاضلة في كفاءة الأداء؛ أي الإبقاء على الأستاذ الأكفأ والاستغناء عن الأقل كفاءة. إذاً كفاءة الأداء حاضرة في كل الأحوال؛ اللهم إلا إذا أدين الأستاذ بما يمس شرفه المهني أو الأخلاقي، من خلال لجان التحقيق والتأديب وضمن الضوابط المعتمدة جامعياً فإنه لا ينظر إلى معيار الكفاءة لأن شرف الأستاذ المهني والأخلاقي أكبر بكثير من كفاءة أدائه. لا بل إن كفاءة أدائه تنحدر انحداراً شديداً إذا أدين بما يمس شرفه المهني والأخلاقي. وهذه في كل الأحوال حالات نادرة جداً وتحكمها ضوابط واضحة ومعروفة. الأستاذ موضع حديثنا لم يستلم رسمياً أي أسباب لقرار الجامعة. ولم يدن بما يمس شرفه المهني أو الأخلاقي. والجامعة مازالت تعلن عن حاجتها لتخصصه ومستمرة في تعيين مدرسين في ذات التخصص. لم يبلغ بأي مؤشرات ضعف في كفاءة أدائه الوظيفي ولم ينبه أو يتناقش في ذلك من قبل مسؤوليه الإداريين.. ما السبب إذاً؟! عميد كليته يكتب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي نافياً أن تكون الكفاءة هي المعيار الذي اعتمد في اتخاذ قرار الاستغناء (الكلام الذي يتم تداوله غير صحيح وهو بناء على تخمينات ولم يتم طرح عدم الكفاءة كسبب) ويترك الباب مفتوحاً للمتلقين الذين جاوزوا 1200 متابع لتقدير أسوأ ما يمكن تقديره من أسباب!!! رئيس قسمه يكتب شكوى رسمية عبر مراجعه الإدارية يشكو من تجني الأستاذ المستغنى عنه على القسم ونشره أكاذيب وتشويه صورة القسم؛ ذلك أنه يتهم القسم والكلية والجامعة بأنهم استغنوا عنه بسبب الكفاءة!!! الحمد لله أيها الرجل.. هم يعترفون لك بالكفاءة ويؤكدون لك أنك أخطأت بحقهم حين شوهت سمعتهم وادعيت أنهم اعتمدوا معيار الكفاءة في التجديد لغيرك والاستغناء عنك!! المعيار لم يكن الكفاءة.. ألا يكفيك هذا تشريفاً؟!.. احتسب الأستاذ الله في أمره وتقبله قضاءً برحابة صدر وانتظر خطاب إدارة الجامعة يبلغه قرارها بالاستغناء عنه وها هو الخطاب بين يديه. ينص الخطاب على التالي: “(يسعدني) أن أعلمكم أن مجلس الجامعة قد قرر عدم تجديد عقد الأستاذ الفلاني أرجو تفضلكم (بإطلاع) عضو هيئة التدريس المعني. وتقبلوا فائق التحية والاحترام.... كتب على نسخة الخطاب: إدارة جامعة تنقصها كفاءة كتابة الخطابات الرسمية و(يسعدها) إعلامي الاستغناء عني لا تستحق أن أكدر صفوي على مفارقتها!! والحليم تكفيه الإشارة...
عندما لا تكون الكفاءة معياراً!
15 أبريل 2012