سألتني صديقتي لِمَ لا تكتبين مقالات رأي انتقاداً لشخص أو جهات محددة؟ قالت: الوضع متأزم، وهذه المقالات لها تأثير وانتشار واسع، أجبتها: أنا لا أكتب نقداً في شخص بحَدّ ذاته أو جهة معيّنة، أنا أكتب في المواقف، نظرة استغراب علت وجهها، وتساءلت بتعجّب: لِمَ!؟ أجبتها ببساطة: لأن الناس معادن، وأقتبس من العظيم "مرسي الزناتي" قوله في مسرحية مدرسة المشاغبين "الناس معادن، تنكشح بالحرارة وتتبربر بالبرورة"، نعم عظيمة تلك الحكمة التي قالها مرسي.

في مسرحية مدرسة المشاغبين، ظهر الفنان الراحل سعيد صالح في دور "مرسي الزناتي"، ذلك الفتى الشاب، الذي يحب الحياة ويعيشها بلا عُقد، مرسي في المسرحية كان له أكثر من مقولة أظنّها من الحِكَم التي يجب أن تُدرّس، لكن قبل أن نذكر أهمها لنتّفق أن المسرحيات هي أحد أنواع الفن الجميل، الذي يعكس واقع المجتمع بشكل درامي أو كوميدي أو حتى غنائي، وذلك في محاولة لفهم المجتمع أعتقد. فتسليط الضوء على ظاهرة ما في مجتمعاتنا لن يحلّها ولكن من الممكن أن يسهم في فهمها بشكل أفضل.

مرسي الزناتي الشاب المصري المتمرّد، الذي قرّر أن يعيش حياته بلا همّ ولا غمّ، الشاب السعيد الذي لا يُعطي للدراسة بالاً، هو لا يفهم من الحياة، إلا أنها وُجِدت لنسعد بها، قال في أحد المواقف إن "الناس معادن، تنكشح بالحرارة وتتبربر بالبرورة". إن السائد القول أن الناس معادن للإفادة بإن كل إنسان تظهر شخصيته الحقيقية وفقاً للموقف الذي يتعرّض له، فترى هناك من يكون معدنه أصيلاً كما يُقال، بمعنى أنه سيقف معك، ويسندك، ومنهم من سيخذلك، هذا هو الفهم السائد لهذا المثل في مجتمعنا، لكن الزناتي عندما وصف الناس بالمعادن، أعطاها صفة من صفات المعدن، وهي التحوّل وفقاً لظروف البيئة المحيطة بها، ومنها تغيّر خصائصها بتغيّر درجة الحرارة، هنا يجب أن نقف لنفكر قليلاً، نعم... الناس تتحوّل، وتتغيّر وفقاً لما حولها من ظروف، الناس لا تبقى على حال واحد، فطبيعة البشر التغيير، ليس فقط في المواقف، ولكن حتى في الأفكار، والمعتقدات فهي متغيرة.

نحن تُغيّرنا ظروفنا من حولنا، الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية، كلها تؤثر في معتقداتنا، وأفكارنا مع الوقت، لا شيء ثابتاً لدى الإنسان إلا وجوده على هذه الأرض، ما دون ذلك لا توجد حقيقة ثابتة، ولا رأي ثابتاً، حتى الحقائق العلمية تتغير مع الزمن، نحن كلما عشنا تجارب أكثر كلما اكتسبنا معلومات أكثر، كلما تغيرت شخصيتنا بشكل أو بآخر، فتخيّل كمّ المعلومات التي نتلقاها يومياً، وكيف يؤثر ذلك علينا وعلى طريقة تفكيرنا وفهمنا للأمور من حولنا، لذلك فإن تحليل الأمور وفق قواعد ثابتة ليس بالأمر الصحيح، لأن لكل حدث ظاهر هناك عوامل ساهمت في ظهوره لا علم لنا بها.

الخلاصة: إن فهمنا ذلك تيقّناً ألا عتب على الناس من حولنا، وأنه لا يجب علينا أن نحكم عليهم وفق موقف معيّن، نحن في النهاية لا نعلم ما الخبرة التي مر بها هذا الإنسان، وما الظروف التي عاشها وشكّلت شخصيته، وحدت به أن يتّخذ هذا الموقف، فكيف نحكم عليه؟ تعلّم ألا تناقش الناس في معتقداتهم التي تشكّلت وفق خبرات لا علم لك بها، أنت في النهاية لم تعشها كما عاشها هو.