حنان خلفان
تُعدّ حفلات التخرّج أكثر من مجرد لحظات احتفالية تنتهي بها رحلة دراسية، فهي مناسبات تعكس تقدير المجتمع للعلم وتقدير الجهود المبذولة في بناء جيل واعٍ ومسؤول، ينتظر الطلاب وأسرهم هذه اللحظات بفارغ الصبر، ليس فقط للاحتفاء بإنجازاتهم بل لتجسيد قِيَم العلم والالتزام، والتعبير عن الفخر بما حصده الطلبة من معرفة وما تبنّوه من قيم خلال سنواتهم الدراسية.وفي اللحظة المنشودة تتحول حفلات التخرج إلى حدث مجتمعي يضمّ شخصيات بارزة وأولياء أمور، يجتمعون للتعبير عن دعمهم لأجيال المستقبل وتقديرهم لرحلة الإنجاز. ومع هذه المشاركة الواسعة، تكتسب الاحتفالات طابعاً رمزياً يجمع بين الطموح الشخصي والمسؤولية المجتمعية، لتصبح رمزاً يعكس آمال الجيل الجديد وتطلعاته، ويجسّد في الوقت ذاته أهمية الحفاظ على سلوكيات تليق بهذا الفضاء الذي أسهم في تشكيل شخصياتهم.
ورغم القيمة الكبيرة لهذه المناسبات، فإن بعض السلوكيات الفردية أحياناً تعكّر صفو الحدث وتقلّل من رصانته، حيث يلجأ بعض الطلبة إلى تصرفات استعراضية قد تبدو أقرب إلى حركات طفولية ينقصها النضج نشهدها عادةً في رياض الأطفال. وعلى الرغم من عدم براءة هذه التصرّفات في سياقات أخرى، إلا أن ظهورها في مناسبة تخرّج جامعي يضفي عليها طابعاً من الحرج، ويُثير تساؤلات حول مدى احترام هؤلاء الخريجين لقيمة المناسبة. فعندما تصبح الاحتفالات ساحةً للعروض البهلوانية غير اللائقة وسط حضور شخصيات رفيعة المستوى وأولياء أمور، تتحول هذه التصرّفات إلى مصدر استياء قد يُفقد الحفل معانيه الاحتفالية الراقية ويطغى على روحه الجماعية.
إن احترام الطالب الخريج للقيم والمبادئ التي يتعلمها في الجامعة يعكس قدرته على تحمّل المسؤولية وبناء شخصيته كفرد واعٍ ومستعد لتحمّل مهام أكبر في المستقبل. فإذا لم يستطع الالتزام بسلوكيات تعبّر عن الاحترام والانضباط داخل هذا الفضاء الأكاديمي، فكيف سيكون قادراً على إدارة بيت، أو تحمّل مسؤوليات وظيفية ومهنية قد تتطلّب منه الالتزام والانضباط ذاته؟ فالجامعة، بوصفها مساحة لتشكيل القيم وبناء الشخصية، تمثل المرحلة التي يتم من خلالها إعداد الفرد ليصبح عضواً فاعلاً في مجتمعه، يعي أهمية الالتزام الأخلاقي ويطبقه في أدواره المختلفة في الحياة العملية والاجتماعية.وهنا يأتي دور الجامعة بوصفها كياناً له دلالات تربوية واجتماعية عميقة. حين يُطلق على الجامعة اسم «حرم»، فإن ذلك لا يشير فقط إلى المباني أو المساحة المادية، بل يرمز أيضاً إلى قدسية المكان وأهمية الالتزام بالقيم داخل حدوده. فالجامعة ليست مكاناً للتحصيل العلمي فحسب، بل هي بيئة يُكتسب فيها النضج الفكري وتتعزز فيها قيم الانضباط والاحترام المتبادل بين الطلبة والمعلمين، مما يعكس رؤية المجتمع للعلم كمصدر أساسي للارتقاء.
لذلك، تبرز أهمية توعية الطلاب بأهمية ضبط النفس واحترام أجواء الحفل ووجود الشخصيات المرموقة والأسر، فالاحتفال بالنجاح لا يعني الانفلات من حدود اللياقة والذوق. إن التعاون بين الأسر والمؤسسات التعليمية في هذا المجال ضروري لتعزيز فهم الطلبة لأهمية التصرفات الراقية والاحترام المتبادل في مثل هذه المناسبات. فهذه الحفلات ليست فرصة لإبراز القدرات الفردية بطرق لا تتناسب مع الحدث، بل هي مناسبة للالتقاء والتعبير عن الامتنان للمعلمين والأهل والمسؤولين، وتجسيد قيم الاحترام والالتزام. ومن خلال هذا التعاون، تُغرس في الطلبة قيم الانضباط وتُعزز لديهم فكرة أن النجاح الفردي يُمثل، في جوهره، نجاحاً مشتركاً ينبع من دعم الأهل وتوجيهات المعلمين وتضحيات المجتمع.
وفي هذا السياق، يتحمّل كل طرف مسؤولية كبيرة في غرس هذه القيم، فالأسر والمؤسسات التعليمية تلعب دوراً محورياً في بناء شخصية الطالب وتوجيهه نحو السلوكيات التي تعبر عن احترام الذات وتقدير الجهود المبذولة من أجل الوصول لهذه المرحلة. وهذا يضمن أن يكون الاحتفال بالتخرّج فرصة للتعبير عن الامتنان والاعتزاز بما تحقق، وليس مجرّد منصة للتفاخر أو الاستعراض. فالاحتفال بهذا اليوم التاريخي لا يُبرز فقط إنجازات الأفراد، بل يُجسّد ما يسعى إليه المجتمع من تنمية واحترام للعلم والمعرفة.
وبصراحة.. حفلة التخرّج لحظة فارقة لا يجب أن تُهدر بالتصرفات الفردية غير المسؤولة، بل هي محطة مهمة تعكس نضج الطالب واحترامه لنفسه ولمجتمعه. فعلى كل خريج أن يدرك أن نجاحه هو امتداد لدعم أهله ومعلميه ومجتمعه ووطنه، وأن الالتزام بسلوكيات تتسم بالوقار والاحترام هو ما يمنح هذه اللحظات قيمتها. فلتظل كل احتفالية تخرّج مناسبة تعبّر عن الفخر والشكر، وتُخلّد كذكرى جميلة لجميع الحاضرين، بعيداً عن مشاهد الاستعراض والخيبة.