لم يكن محمد رحيم مجرد ملحن أو موزع موسيقي عابر في تاريخ الأغنية العربية، بل كان أحد المبدعين الذين غيّروا قواعد اللعبة، إذ جمع ببراعة بين الموسيقى الشرقية والغربية في شكل واحد، ظهرت في عدد من الأغاني لا سيما أغاني عمرو دياب ونانسي عجرم.

بداية موهبة استثنائية

محمد رحيم، الذي وُلد في 9 ديسمبر 1979، كان له شغف بالموسيقى منذ طفولته، حيث نشأ في أسرة موسيقية، وهو ما جعله يتقن العزف على عدة آلات موسيقية منذ سن مبكرة.

بدأ "رحيم" تعلم العزف على البيانو والجيتار والعود منذ السادسة من عمره، ثم واصل تجربته الفنية التي امتدت لسنوات طويلة ليصبح أحد أبرز الملحنين في مصر والعالم العربي.

تحدث محمد رحيم في أكثر من مناسبة عن بداياته في المجال الفني، ورغم دخوله المجال بشكل احترافي في التاسعة عشر من عمره كان يرى أنه تأخر في دخول عالم الفن.

بدأت رحلة محمد رحيم في عالم التلحين في سن السادسة عشر أثناء دراسته في كلية التربية الموسيقية.

وفي أحد الأيام، التقى رحيم بالفنان حميد الشاعري على هامش ندوة في الكلية، وهو اللقاء الذي كان بمثابة نقطة تحول في مسيرته الفنية.

بعد اللقاء، اصطحب الشاعري رحيم إلى الاستوديو حيث عرض عليه ألحانه، وكان من بين هذه الألحان أغنية "غلاوتك".

خلال الجلسة، استمع الفنان عمرو دياب إلى اللحن وأُعجب به بشدة، ليطلب أن تكون الأغنية جزءًا من ألبومه الذي صدر ١٩٩٨ "عودوني" لينطلق "رحيم" بلا توقف في عالم التلحين.

ملحن بلا احتكار

ما يميز محمد رحيم عن غيره من الملحنين هو أنه لم يكن محصورًا في دائرة معينة من الفنانين، بل كانت ألحانه تخرج لكل الفنانين الذين قد يعتبرهم البعض منافسين، فقد لحن لعدد كبير من النجوم، أبرزهم:

عمرو دياب: تعاون مع دياب في أكثر من ألبوم، أبرزها "عودوني" وألبوم "أكتر واحد"، الذي تضمن الأغنية الشهيرة "حبيبي ولا على باله".

محمد فؤاد: رغم التنافس بينهما في السوق الفني، لحن رحيم عدة أغاني شهيرة لفؤاد، كأغنية أنا لو قولت

إليسا: كان له دور كبير في نجاحها من خلال أغنية "أجمل إحساس"، التي لاقت شهرة واسعة.

نانسي عجرم: عمل مع نانسي على مجموعة من الألحان المتميزة التي ساهمت في نجاحها المتواصل ومنها أغنية آه ونص.

أصالة: لحن لها أغاني مثل "بيوت" و"60 دقيقة"، التي أثبتت قدرتها على التفاعل مع ألحانه المتنوعة.

محمد منير: تعاون مع منير في عدد من الأعمال المميزة، وكانت هذه التجربة إحدى أهم محطات رحيم الفنية، حيث أضافت ألحانه بعدًا جديدًا لصوت منير وأثرت في مسيرته، كما في أغنية يونس، قلبي ميشبهنيش، وأغنية يا حمام.

الانتقال إلى الغناء والتجربة المميزة مع الدراما

في عام 2008، قرر محمد رحيم أن يخوض تجربة الغناء بشكل منفرد فأصدر ألبومه الأول "كام سنة"، الذي تضمن أغاني مثل "عارفة" و"إرجع يلا"، لتكون خطوة جريئة تكشف عن جانب جديد له كفنان.

ورغم أنه حقق نجاحًا جيدًا في هذا المجال، إلا أن رحيم بقي مرتبطًا بقوة بعالم التلحين الذي يعتبره مجال تخصصه الأول.

لكن نجاحه لم يقتصر على الغناء فقط، فقد شارك في التلحين للعديد من الأعمال الدرامية، مثل "حكاية حياة" و"سيرة حب"، لتؤكد مواهبه المتعددة في مجالي التلحين والغناء.

صاحب فلسفة موسيقية عميقة

محمد رحيم لم يكن مجرد ملحن أو فنان، بل كان صاحب فلسفة موسيقية عميقة، فقد كان يؤمن بأن التلحين ليس مجرد عمل فني، بل هو أداة للتعبير عن مشاعر وأفكار لا يمكن للغة وحدها أن تُعبّر عنها.

كان يرفض احتكار موهبته من قِبل أي فنان أو شركة، وكان يعتقد أن له قدرة على التعبير بموسيقاه عن مختلف الأنماط الفنية والثقافية.

رحيم الذي توفي اليوم السبت 23 نوفمبر 2024 عن عمر يناهز 45 عامًا، ترك وراءه إرثًا موسيقيًا سيظل حيا في ذاكرة عشاقه.