العلاقة بين المؤسسة وأصحاب المصلحة stakeholders من مساهمين ومستثمرين وعملاء وموردين وموظفين علاقة متشعبة وتتطلب إدراكاً وفهماً من قبل المسؤولين في المؤسسة وذلك لمساعدتهم على اتخاذ قرارات تنال قبولاً لدى أغلب الأطراف. ولأهمية العلاقة هذه تم تصميم نماذج مثل (مصفوفة مانديلو، Mandelow’s Matrix) لتسهيل شكل العلاقة لصناع القرار في أي مؤسسة كانت وبالأخص الكبيرة.

ويحذر نموذج «مانديلو» المسؤولين من الانفراد بالقرارات دون النظر إلى مصالح الآخرين ويعتبر ذلك خطأ إدارياً قد يكبد المؤسسة الخسائر ويؤثر على سمعتها سلباً.

كما يؤكد النموذج أن كل فئة من أصحاب المصلحة تحتاج إلى تعامل خاص بها، فالفئة الأولى والتي تتكون من الجهات ذات النفوذ الكبير على المؤسسة والمهتمة بعملها وقراراتها - وتشمل هذه الفئة كبار المستثمرين في المؤسسة والحكومات على سبيل المثال - يجب إشراكها في عملية صنع القرار خطوة بخطوة.

أما الفئة الثانية والمكونة من جهات لديها اهتمام بعمل المؤسسة ولكن نفوذها محدود عليها مثل الموظفين فيجب إخبارهم أولاً بأول بالقرارات وبدون الحاجة إلى إشراكهم في إجراءات صنع القرار.

ونصيحة (مانديلو) لا تختلف عن المثل العربي القائل (المشاورة حصنٌ من الندامة وأمنٌ من الملامة) وتنطبق على الفئتين الأولى والثانية من أصحاب المصلحة.

لكن حتى اليوم تغفل كثير من الشركات الكبرى الأخذ في الاعتبار أصحاب المصلحة خلال تفكيرها بالقرارات المهمة.

ولعل أبرز مثال على ذلك هو قرار إلغاء الخط الجوي بين لندن والبحرين من قبل الخطوط الجوية البريطانية والذي جاء مفاجئاً ولم يعلم عنه أحد إلا بعد أن تم نشره في وسائل الإعلام؛ حتى أن مسؤولاً دبلوماسياً بريطانياً رفيعاً ورئيس الغرفة التجارية البريطانية - البحرين، أبديا استغرابهما من القرار.

وواضح أن صناع القرار في شركة الخطوط الجوية البريطانية لم يكلفوا أنفسهم عناء التشاور مع الآخرين الأمر الذي جعلهم يغفلون جوانب كثيرة خلال اتخاذهم للقرار المفاجئ أبرزها مصلحة الحكومة البريطانية في الحفاظ على علاقات متينة مع حلفائها في الخليج والبعد التاريخيّ للعلاقة بين بريطانيا والبحرين تحديداً والتبادل التجاري والثقافي القائم والمنتظم بينهما والأهم تمركز وحدة الدعم البحرية التابعة للمملكة المتحدة في الجفير والتي أعيد افتتاحها في 2018 وهي قاعدة حيوية ومهمة للبريطانيين في مياه الخليج.

لذلك وجدنا السفير البريطاني في البحرين السيد اليستر لونغ يسارع بالتأكيد على أهمية الخط الجوي بين البلدين والذي استمر 92 عاماً ويعرب عن أمله عودة الرحلات الجوية في المستقبل.

كما صرح قائلاً: «بلا شك أن الخط الجوي بين المملكة المتحدة والبحرين يعتبر خطاً تاريخياً، ويمثل دعماً مهماً للعلاقة الثنائية الحديثة».

ولذلك أيضاً، وجدنا تصحيحاً سريعاً للقرار المفاجىء وإصدار قرار جديد يراعي كل الأطراف وينظر إلى الموضوع بنظرة شاملة.

حيث قالت الخطوط الجوية البريطانية بعد تراجعها عن قرارها : «بعد محادثات مع شركائنا وأصحاب المصلحة نؤكد أننا سنشغل خدمة بين لندن هيثرو ومطار البحرين الدولي ثلاث مرات أسبوعياً بدءاً من صيف 2025.

والخدمة ستزيد إلى خدمة يومية مع بدء موسم شتاء 2025». وهنا يتضح أن القرار الجديد اشتركت فيه عدة جهات مؤثرة وجاء متوافقاً مع مصالح جميع الأطراف ولم يكن قراراً منفرداً خلافاً للقرار الأول «السيء».

والدرس هنا وكما يدعو إليه نموذج «مانديلو» وكما يقترحه المثل العربي حول «المشاورة» أن شركة طيران كبرى تمثل بريطانيا اسماً وسمعةً وتعتبر حلقة وصل أساسية بينها ودول العالم لا يمكنها أن تعمل بمعزل عن سياسة حكوماتها ومصالحها حتى وإن كان عملها تجارياً يهتم بالربح والخسارة ولا يمكنها أيضاً أن تترك لمسؤوليها التنفيذيين اتخاذ قرارات تؤثر سلباً على علاقات الدولة بحلفائها وأصدقائها وإن كان لديهم مبرراتهم.