من يراقب التصريحات الإيرانية يجدها بالغالب ما بين اتجاهين، الأول يذهب إلى السلام والتقرب إلى الغرب والوصول إلى حلول للاستقرار بالمنطقة، أما الثاني فهو تصعيدي ويذهب إلى التهديد والوعيد بالانتقام من إسرائيل ومن يساعدها، فهذا التناقض وراءه عدة تفسيرات.

في البداية، يجب الخوض منذ حادثة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي وسقوط طائرته وصولاً للرئيس الحالي مسعود بزشكيان نرى أن الخطاب السياسي لإيران بعيد كل البعد عن التصعيد أو المواجهة، بل على العكس فالرئيس الإيراني الحالي قام بالعديد من الزيارات إلى دول الجوار وحضر المنتديات الدولية ورسم لإيران حمامة السلام لدى القوى الغربية.

في المقابل، كان هناك حزب متمثل بمسؤولي الحرس الثوري الإيراني ينفخون بالنار نحو التصعيد والتهديد بالمصالح الإسرائيلية والأمريكية، أضف إلى التصريحات الأخيرة من قبل مسؤولي الطاقة النووية عندما ردوا على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي جاء فيه اتهام صريح لإيران بمخالفاتها لجميع المواثيق والاتفاقيات الموقعة من قبل طهران لتحييد برنامجها النووي، فقد جاءت التصريحات الإيرانية انتقامية وجاء الرد من طهران بإعلان تشغيل المزيد من أجهزة الطرد الجديدة لزيادة عمليات التخصيب.

فاللغز الذي يجب تفسيره يتمثل في أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والدولة العميقة، يجدان هناك ضبابية بالموقف مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، فهما يسعيان بأن يكون لطهران خط رجعة بكل خطوة تقوم فيها من تصريحات أو تحركات ميدانية وهذا ما يجعل قادة الدولة العميقة الإيرانية أن يوجهوا البوصلة إلى الجانب الذي يضعهم بموقف قوة وليس ضعفاً.

بمعنى أن إيران تسعى إلى معرفة النوايا الفعلية لإدارة ترامب، وعلى أساسها ستتحرك نحو التصعيد أو التهدئة، وهذا لا يمكن معرفته إلا بعد تسلم ترامب مفاتيح البيت الأبيض ليعلن خططه بالتعامل مع طهران، وفي الغالب أن المرشد الأعلى الإيراني إن كان في حينها على قيد الحياة فإن خطابه سيكون أكثر عقلانياً ليس لشيء ولكن لضمان بقائه بالسلطة، وسيراقب الخطوات الميدانية لواشنطن في الانسحاب أو التواجد في الشرق الأوسط مع تفاعلات دول الجوار مع الإدارة الجديدة ليقرر وقتها مستوى التصعيد الذي سيقدم عليه سواء بالاستمرار في الحرب بالوكالة والمواجهة مع إسرائيل أو الذهاب إلى رفع الراية البيضاء تفادياً لأي مخططات لتغيير الوجوه بالنظام ويعلن السلام.