مع اقتراب نهاية العام 2024؛ يُحدّق الاستشاريّون والمحلّلون مجدّداً في الكرة البلّوريّة لرسم اتّجاهات الموارد البشريّة للعام 2025. ومع التقدّم التكنولوجيّ السريع، وعدم اليقين الاقتصاديّ؛ فإنّ العام القادم -استناداً إلى تقارير حديثة صادرة عن مراكز أبحاث معترف بها عالميّاً- يحمل مجموعة من التحدّيات والفرص للمؤسّسات المستعدّة للتكيّف؛ ممّا يوفّر لقادة الأعمال رؤىً قيّمة لصياغة استراتيجيّات الموارد البشريّة ومجالات التركيز الرئيسة بما يتماشى مع أولويّات الأعمال المستقبليّة.
أوّلًا، يمثّل تكامل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ (AI) في مكان العمل تحدّياً وفرصة في آن واحد للموارد البشريّة. وحيث إنّ الذكاء الاصطناعيّ ينطوي على إمكانات تحويليّة، بدءاً من تبسيط العمليّات وتعزيز إدارة المواهب إلى إحداث طفرة في عمليّات التعلّم والتطوير، ومع إدراك معظم قادة الأعمال بالدور المتنامي للذكاء الاصطناعيّ؛ إلّا أنّ جزءاً كبيراً منهم مازال يفتقر إلى استراتيجيّات واضحة للتنفيذ.
وللتغلّب على ذلك، يجب على المؤسّسات تطوير أطر حوكمة الذكاء الاصطناعيّ، والاستثمار في تدريب الموظّفين، ومواءمة استراتيجيّات الذكاء الاصطناعيّ مع أهداف العمل الأوسع نطاقاً. ستساعد هذه الإجراءات في تعزيز الثقة بدور الذكاء الاصطناعيّ كأداة تعزيزيّة، وليست معطّلة.
ثانياً، سيكون من الضروريّ معالجة عدم تطابق المهارات للحفاظ على القدرة التنافسيّة المؤسّسيّة. تعمل التغيّرات التكنولوجيّة السريعة على تغيير مشهد المهارات، ممّا يستدعي وضع استراتيجيّات هادفة لسدّ الفجوة؛ مثل تعزيز نقل الخبرة والمعرفة والتعاون بين فرق العمل متعدّدة الأجيال، وتنفيذ مبادرات تحسين المهارات وإعادة تأهيلها، والاستفادة من المواهب لتحديد الكفاءات المستقبليّة الحرجة وتطويرها.
يجب أن يتحوّل التخطيط الاستراتيجيّ للقوى العاملة من التعديلات قصيرة الأجل إلى بناء قدرات طويلة الأجل؛ ممّا يمكّن المؤسّسات من التكيّف بشكل أكثر فعّاليّة مع بيئة العمل المتغيّرة.
ثالثاً، ستتطلّب الثقافة التنظيميّة وإدارة التغيير تركيزاً متجدّداً. في حين يهدف جميع قادة الموارد البشريّة تقريباً إلى تعزيز الثقافة التنظيميّة، إلّا أنّ العديد منهم يكافح من أجل ترسيخها بفعاليّة في العمليّات اليوميّة.
إنّ مواءمة القيم والسلوكيّات والعمليّات أمر ضروريّ لتفعيل التغيير الثقافيّ. ومع ذلك، يظلّ الإرهاق من التغيير مصدر قلق متزايداً، حيث يواجه الموظّفون حجماً متزايداً من التحوّلات في مكان العمل.
ولا يمكن تحقيق التغيير المستدام إلّا من خلال تعاون الموظّفين وتمكين القادة من أن يصبحوا مشرفين نشطين على التغيير داخل فرقهم.
رابعاً، يبرز التنفيذ التكتيكيّ لاستراتيجيّات الموارد البشريّة كعامل حاسم في النجاح المؤسّسيّ. حيث يتوسّع دور الموارد البشريّة ليتجاوز الوظائف الإداريّة التقليديّة ليصبح مدمجاً بعمق مع العمليّات الأساسيّة.
ويضمن تزويد فرق الموارد البشريّة بالموارد والأدوات والتدريب اللازمة لتمكينهم من تنفيذ المبادرات الاستراتيجيّة بفعاليّة. علاوة على ذلك، فإنّ تعزيز التعاون متعدّد الوظائف داخل الموارد البشريّة يساعد على كسر الانعزال، وخلق ممارسات متماسكة تعزّز من تجربة الموظّفين ونتائج الأعمال.
وأخيراً، يكمن مفتاح النجاح في التركيز على ما هو أكثر أهمّيّة: بناء الثقة، وتعزيز المشاركة، وتقديم خيارات عمل مرنة، وتوفير بيئة عمل تركّز على الصحّة النفسيّة والتعاطف لدى الموظّفين.
فمن خلال وضع الأفراد في قلب استراتيجيّاتها؛ يمكن للمؤسّسات أن تنمّي قوّة عاملة مزدهرة قادرة على التكيّف ومستعدّة لمواجهة تحدّيات المستقبل مع الحفاظ على مستويات عالية من الأداء والرضا.