دول الخليج تتبوأ مكانة مرموقة في محيطها العربي والإقليمي والعالمي
تُعقد القمة الخليجية الخامسة والأربعون لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دولة الكويت الشقيقة اليوم، في ظل تحديات متسارعة، الأمر الذي يعكس أهمية هذه القمة في تأكيد الدور الكبير لهذه المنظومة في التعامل الجماعي والتكاملي مع تلك التحديات وتداعياتها، استناداً إلى مسيرة التعاون المباركة لمجلس التعاون الذي أصبح ضمن أنجح المنظومات الإقليمية القائمة، ونموذجاً ناجحاً في تحقيق التعاون والتكامل المنشود.
لقد ارتكزت الأهداف والمكتسبات التي حقّقها مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ تأسيسه قبل 43 عاماً وحتى اليوم، على بناء ونهضة المجتمعات في الدول الأعضاء في مختلف المجالات، وذلك في إطار العمل على تنفيذ توجيهات وتطلّعات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، حفظهم الله ورعاهم، من أجل بلوغ الأهداف المرجوة، والتي نص عليها النظام الأساسي للمجلس.
وتماشياً مع السياسة الحكيمة والرؤية الثاقبة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، عبر دعائم المسيرة التنموية التي انبثقت خلال العهد الزاهر لجلالته، مع المتابعة المستمرة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حرصت مملكة البحرين على أن تشارك شقيقاتها دول مجلس التعاون مساعيها المشتركة لتحقيق النماء والاستقرار والأمن لشعوب دول المجلس من خلال إبرام حزم من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وبروتوكولات العمل المشتركة فيما بينها، تعزيزاً لأطر التعاون الخليجي والانتقال به إلى آفاق أرحب من الشراكة والتكامل.
كما بذلت مملكة البحرين جهوداً مخلصة وحثيثة على مدار تاريخ مجلس التعاون، لدعم مسيرة العمل الخليجي المشترك، وتعزيز الترابط والتكامل بين دوله تعزيزاً للأمن والاستقرار والرخاء والتنمية واستدامة منجزات المجلس. وكان للسياسة الخارجية والدبلوماسية البحرينية الفاعلة والمتزنة دورٌ مهمّ في تعزيز وحدة الصف الخليجي والتأكيد على التضامن في المواقف والرؤى والقرارات المصيرية المشتركة، سواء عبر طرح المبادرات، أو المشاركة الفعّالة والجادّة في بحث التحديات والأزمات الإقليمية والدولية ذات التأثير الممتد، أو من خلال الالتزام بتنفيذ التوصيات والقرارات المنبثقة عن القمم والاجتماعات الخليجية الرفيعة على مستوى القادة والمجالس واللجان الوزارية المتخصّصة.
وحرص أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، على دعم مسيرة العمل الخليجي المشترك لتعزيز التعاون المشترك، وتسريع الانتقال به من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وعلى ضوء تلك الأهداف، تمكّنت دول المجلس من إنجاز العديد من مشاريع التكامل الاستراتيجية أبرزها مشروع الربط الكهربائي، واستكمال تنفيذ مشروع خط السكة الحديدية المشترك، إضافة إلى الدفع بمجالات التعاون المالي والاقتصادي والتجاري والجمركي والاستثماري والسياحي ومجالات النقل والمواصلات والطيران، والطاقة، والبيئة والتكنولوجيا، والتعليم، والشباب والرياضية والثقافة والإعلام والفنون، إلى جانب التعاون الأمني والعسكري والأمن السيبراني، وجهود مكافحة الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظَّمة.
واتسمت رؤى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس طوال هذه المسيرة المباركة بالحكمة في التعامل مع كافة التحديات، ومنها أهمية تعزيز العمل الأمني المشترك كركيزة أساسية لضمان استقرار وأمن المنطقة، مدركين منذ بدايات التأسيس التحديات الأمنية التي تواجه منطقة الخليج العربي، وأن التعاون المشترك بين دول مجلس التعاون هو السبيل الأمثل للتصدّي لهذه المخاطر والتحديات، لضمان مستقبل آمن ومزدهر لشعوبهم.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، وبالتفاعل مع تصاعد الأحداث السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، حرصت دول مجلس التعاون على بذل كافة الجهود والمساعي الجادة لاحتواء الأزمات ومنع تفاقم الأوضاع في المناطق المتضررة من الحروب والنزاعات والصراعات المسلحة. وركّزت هذه الجهود على طرح وتبنّي مبادرات سياسية وأمنية وإنسانية على المستويين الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الراهنة، بهدف تخفيف التصعيد والحد من انتشار الفوضى وتقليل الخسائر البشرية. إلى جانب ذلك، انخرطت دول المجلس بفعالية في الجهود الدولية الرامية لتعزيز الأمن والسلم الإقليمي والعالمي، وضمان استمرارية خطط التنمية وتوفير العيش الكريم لشعوب المنطقة والعالم.
ونتيجة لهذه الرؤى المتوازنة والطموحة، استطاعت دول مجلس التعاون أن تتبوأ مكانة مرموقة في محيطها العربي والإقليمي والعالمي، وأن تمد جسور التعاون والشراكة مع معظم الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، من خلال العمل متعدد الأطراف في إطار المواثيق والاتفاقيات الأممية التي تحترم سيادة الدول واستقلال وحرية الشعوب.
وعلى مسار التنمية والنهضة والتحول إلى المستقبل بثبات، نجح المجلس في العمل على تحقيق الرخاء والرفاهية المعيشية والاقتصادية لشعوبه، حتى أصبحت دول الخليج العربية نموذجاً رائداً عربياً وإقليمياً وعالمياً، بالنظر إلى ما عكسته مؤشرات القياس المتقدمة الاقتصادية والمعيشية والتكنولوجية وكذلك مؤشرات قياس الدول الأكثر تفضيلاً لدى المغتربين والمستثمرين وأكثر المقاصد التي تتمتع بالأمن، والاستقرار، وأسس التعايش الإنساني، والسلام.
كما شهد مجلس التعاون الخليجي طفرة ونهضة عمرانية واقتصادية كبيرة من خلال تنفيذ مشاريع التنمية المستدامة ومشاريع الربط والتكامل الاقتصادي الخليجي المشترك، بغية الارتقاء بالمجتمعات الخليجية وجعلها في مصاف الدول المتقدمة، والاستثمار في التوظيف الأمثل للثروات الطبيعية التي حبا الله بها دول المجلس، إلى جانب جعل المواطن الخليجي هو المحور الرئيس والشريك الأمثل لهذه التنمية ومشاركاً فاعلاً فيها وهدفها الحقيقي بما يعود بالنفع على دوله بالخير والفائدة.
ومنذ انعقاد القمة التأسيسية الأولى في مدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة في 25 مايو 1981، عقد مجلس التعاون لدول الخليج العربية 44 قمة دورية اعتيادية على مستوى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، بالإضافة إلى قمتيْن استثنائيتيْن، الأولى استضافتها الرياض عام 2009، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، فيما عُقدت القمة الاستثنائية الثانية في مكة المكرمة برئاسة ودعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة.
كما عقد مجلس التعاون قمماً أخرى على مستوى قادته خارج دورية انعقاده، في إطار تعاونه وشراكاته المتميّزة والمتنامية مع المنظمات والكيانات الإقليمية والدولية، والدول الكبرى الشقيقة والصديقة ذات التأثير الفاعل، من أجل تعزيز علاقات الصداقة والشراكة معها بما يعود بالخير والنفع على دول مجلس التعاون وشعوبها.