أميرة صليبيخ
يضّجُ رأسي بآلاف (اللاءات) في مختلف المواقف، وتبقى هذه الكلمة رابضةً على طرف لساني كجواب لبعض الأسئلة ومع ذلك دائماً ما تكون الغَلَبَةُ لكلمة (نعم)!
هكذا كنت، أمّرر المواقف بكلمة نعم على مضض، وأنا أصرخ في داخلي لا. ويبقى هذان الحرفان (اللام والألف) من بعدها حاضرين في رأسي مثل صداع نصفي مستمر، يذكراني ويعاتباني بأني كنت قادرة على اختيارهما -رغم بساطتهما- ومع ذلك لم أفعل.
هل حقاً كان الأمر بهذه الصعوبة أن أقول لا مثلاً لوجبة السباغيتي وأعلن رغبتي الحقيقية في تناول البرغر؟ أعلم بأنكم مثلي تمرون بمثل هذه المواقف بشكل يومي ومع ذلك نواسي أنفسنا بالقول بأن هذه الحياة أبسط من أن نعقدّها بكلمة لا، وأن جميع هذه الأمور تافهة جداً أمام رفض الآخرين لنا أو انزعاجهم منا.
لقد أرهقت نفسي بالمجاملات وآذيتها بقبول ما لا يرضيها، ولم أجنِ من وراء ذلك سوى أطنان من تأنيب الضمير وعدم الراحة، مع شعور مرير بالغصة المستمرة، وكأنه تم اغتصاب حقي في التعبير. وفي إحدى جلسات الصراحة مع نفسي سألتها: هل يستحق الأمر كل هذا؟ وكانت الإجابة بلا طبعاً.
كان ذلك بالنسبة لي لحظة تحول وتنوير، ومن ذلك اليوم أخذت في التدرج في قول لا دون الشعور بالخجل أو الأسى على الآخرين ودون خوف أو تأنيب ضمير، ففي النهاية لن أوافق على أمر لا يتناسب معي، أو مع مزاجي أو مبادئي أو قناعاتي.
والتحرر نتج عندما غيرت بها نظرتي لهذه الكلمة. فقول (لا) لا يعني بأنك شخص أناني أو غير مراعٍ للآخرين أو غير مهذب، بل تعني أنك إنسان حر، واثق، وتعرف تماماً ما الذي تريده، وأنك لن تسمح مطلقاً بأي نوع من الابتزاز العاطفي أو الضغط النفسي حتى تقبل بما يريدونه منك متجاهلاً نفسك.
الاستمرار في قول نعم إنما هو تصريح غير معلن عن قبولك للاستغلال والاستجابة لكل رغباتهم على حساب نفسك.
وحتى تأخذ قراراً شجاعاً مثل هذا انظر إلى حجم الألم الناتج من قول نعم، ثم عاهد نفسك ألا تكرر هذه التجارب مرة أخرى، وتعلّم أن تتقبل ردة فعل الآخرين ولا تفزع منها. فالكل يريدك دمية بين يديه وحسب مزاجه، ولن تتغير أنت حتى تأتي اللحظة التي يفيض بها الكيل وتصرخ في وجه الجميع وأولهم نفسك ب ( لا) كبرى تعلن بها خطوطك الحمراء وتحفظ بها نفسك ومشاعرك.