روسيا اليوم


بعد مطاردة لعدة شهور، وإغراءات بـ 25 مليون دولار، تمكن الأمريكيون في 13 ديسمبر 2003 من القبض على صدام حسين بالقرب من مسقط رأسه تكريت. الحدث اكتمل بإعدامه في 30 ديسمبر 2006.

صدام حسين الذي يوصف بأنه الدكتاتور الأكثر شهرة في أواخر القرن العشرين، بقي له محبون في العراق وفي المنقطة العربية حتى بعد مقتله. حدث ذلك على الرغم مما اتسمت به فترة حكمه التي امتدت حوالي 24 عام، من حروب وقلاقل ومحن، فما السر في ذلك؟

عراقيون التقت بهم وسائل الإعلام في السنوات الماضية أجابوا على هذا السؤال الذي حير عددا من الصحفيين الأجانب. هؤلاء تفاجأوا بأن شعبية صدام حسين على الرغم من جميع المساوئ التي جرت في فترة حكمه، لم تتأثر في أوساط بعض الشرائح بل زادت حتى بعد وفاته.

بعد ثماني سنوات من سقوط نظام صدام حسين في العراق إثر الغزو الأمريكي لهذا البلد، قال مخرج عراقي في عام 2011 بهذا الشأن: "أشعر بالحزن والإهانة عندما أسمع الآن أن العراقيين يتوقون إلى أيام صدام. ولكن أقسم، لديهم الحق في القيام بذلك. بالنسبة لمعظم زملائي المواطنين، لم يصبح الأمريكيون محررين، بل مدمرين".

صحفي أوروبي يكتب في معرض تسجيله لآراء عراقيين مناصرين لصدام حسين في عام 2008 قائلا إن صدام أصبح تدريجيا بين العراقيين البسطاء تجسيدا للحلم بيد قوية يمكن أن توقف الفوضى.

لاحقا في عام 2016 بمناسبة نشر نتائج التحقيق البريطاني بشأن مشاركة لندن في غزو العراق، قال مواطن عراقي عاد إلى بلاده بعد أن عاش فترة في أوروبا: " لم يكن لديهم خطط للمستقبل، ودمرت بلادنا الآن. توني بلير لم يفعل شيئا جيدا للعراق... كنا أكثر سعادة في عهد صدام. كان كل شيء أفضل بكثير. الآن نحن منقسمون... كان لدينا رئيس قوي. كان اسمه صدام".

في تلك المناسبة قالت مواطنة عراقية مسيحية عمرها 36 عاما قدمت نفسها خوفا على سلامتها باسم مستعار هو كريستيان ألبرت: دون التفكير فيما سيحدث بعد ذلك، هاجموا البلاد ثم دمروها... توني بلير وجورج بوش الابن دمروا العراق. هم الشياطين. أود أن أطلب من أولئك الذين غزوا العراق شيئا واحدا: إذا تمكنوا من إعادة هذا البلد إلى الحالة التي كان عليها قبل الغزو، فسوف أسامحهم".

عدد من المواطنين العراقيين تحدثوا في عام 2023 عن سبب حنينهم إلى عهد صدام حسين، ورأى أستاذ جامعي أن " صدام لم يكن يتجاهل كيف يعيش الناس. في ثمانينيات القرن العشرين، كان التعليم في العراق يعتبر من أفضل مستويات التعليم في العالم، على مستوى الدول الاسكندنافية. لقد أنفق الرئيس أموالا طائلة على إرسال المعلمين إلى أفضل الجامعات في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وعندما عادوا قاموا بالتدريس في المؤسسات التعليمية العراقية. في أيامنا هذه.. يترك الناس الجامعات من دون معرفة، وتباع الشهادات مقابل الرشاوى.

انتقل الأطباء الجيدون إلى أوروبا والخليج، ومؤهلات الأطباء الحاليين هي الدموع. في عهد صدام، لم يكن العراقيون يكنسون الشوارع، ولم يعملوا في سيارات الأجرة".

هذا الأستاذ الجامعي يمضي في التغبير عن رأيه قائلا: "هل تقول إن صدام قتل الناس؟ نعم، ولكن على الأقل تحت حكمه لم يتضور هؤلاء جوعا. لماذا نحتاج إلى ديمقراطيتهم الأمريكية اللقيطة إذا لم يكن هناك ما نأكله؟".

صحفي عراقي من الطائفة الشيعية يشير لزميل أوروبي قائلا: "هل تعرف كم عدد الأشخاص الذين أعدمهم صدام خلال 24 عاما من حكمه؟ ليس المسلحين، وليس المتمردين، ولكن بشكل عام؟ حوالي 15000 شخص. نعم، في عهده يمكن أن يأخذوه إلى قسم المخابرات لإلقاء نكتة، وهناك يختفي الشخص إلى الأبد. لكن بعد الاحتلال الأمريكي مات ما يصل إلى مليون ونصف مليون عراقي.

ما الذي تتحدث عنه، ما صدام؟ استولت القوات الأمريكية على بلادنا، وقصفت، وقتلت العديد من النساء والأطفال، وحرضت الشيعة والسنة ضد بعضهم البعض، ودمرت دولتنا فعليا".

شابة تبلغ من العمر 18 عاما وكانت لا تزال تحبو حين أعدم صدام حسين قالت لأحد الصحفيين عام 2023: "في يوم إعدامه أبكي دائما. في عهده حصل والدي على شقة مجانا، ولم تتغير مدفوعات الإسكان والخدمات لمدة 20 عاما".

في مقهى ببغداد بإحدى الأمسيات، حاور صحفي أجنبي طبيبا عراقيا وقال له: "أجد صعوبة في فهمك صدام كان قاسيا. لقد ارتكب فظائع، وما زلت تفتقده".

الطبيب أجاب قائلا: "هناك تفسير لذلك. انظر إلى الشارع وسترى كم عدد المقعدين، بلا أذرع ولا أرجل. هؤلاء هم ضحايا الحرب الذين جلبهم الأمريكيون إلينا. والناس فقراء ببساطة ليس لديهم ما يأكلونه. والدمار. فكروا في الأمر مليا، كيف يجب أن تكون الحياة في العراق في ظل الديمقراطية الأمريكية التي جاءت بالحراب، وحيث أحب الناس من كل قلوبهم الدكتاتور الميت الذي قتلهم وعذبهم؟