المحامية أبرار عيسى


الوساطة لحل الخلافات تعد جزءاً من تاريخ البشرية منذ نشأتها، حيث وُلد الإنسان بفطرة تميل إلى الخير والتعاون، وهو ما يُعرف بالصلح، ومع تنوع الثقافات وتطور الحضارات واختلاف الحاجات، ازدادت الخلافات والنزاعات تعقيداً، مما جعل الحاجة إلى جهات مختصة بحل النزاعات أمراً ضرورياً وأساسياً.

مع تطور وسائل حل النزاعات، أصبحت الجهات المعنية بها تتركز في القضاء، والتحكيم، والوساطة، حيث تُعد الوساطة الوسيلة الأقدم والأكثر مرونة، ما يميز الوساطة أنها تعتمد على إبداع وأصالة طرفي النزاع، إذ تُبنى الحلول عبر تبادل وجهات النظر وتلاقي الإرادات للوصول إلى اتفاق ينهي الخصومة دون التقيد الصارم بالقوانين والتشريعات كما هو الحال في القضاء، ودون تفويض هيئة أو فرد لإصدار حكم ملزم كما في التحكيم.توفر الوساطة للأطراف حرية ابتكار حلول تتناسب مع نزاعاتهم، مع الالتزام بتنفيذها بالتراضي. وقد رسّخ القانون رقم 22 لسنة 2019 هذا النهج، من خلال تقنين الوساطة لتسوية المنازعات المدنية والتجارية، بما يحقق الواقعية والفعالية دون تعارض مع أحكام النظام العام.

أما بشأن دور الوسيط في عملية الوساطة وبالأخص في جانب إدارة التفاوض بين الأطراف ومساعدتهم إلى أن يتولد الحل من قناعتهم الداخلية، يتوجب على الوسيط في سبيل ذلك المحافظة على وجود أرضية مرنة لطرح الأفكار وخلق مساحات متجددة لتكوين بنات أفكار وعناصر حل النزاع وكيفية تنفيذه، وهو الدور الذي رسمته المادة رقم 10 من القانون المذكور حيث نصت على أنه «يجوز للأطراف الاتفاق على القواعد والطرق التي تجرى بها الوساطة، ويجوز للوسيط في حال عدم اتفاق الأطراف أن يُجرِي الوساطة بالقواعد والطرق التي يراها مناسبة، مع مراعاة رغبات الأطراف وظروف الوساطة، وبما لا يخالف النظام العام، كما يجوز للوسيط في أية مرحلة من مراحل إجراءات الوساطة أن يقترح حلاً للنزاع، وفي جميع الأحوال يجب أن يراعي الوسيط أثناء إجراءات الوساطة المساواة في معاملة الأطراف بمراعاة ظروف النزاع. وهذا ما لا يتوفر في اللجوء للقضاء أو التحكيم، مما يجعل الوساطة بأنواعها بديل بارز مميز في حل النزاعات.

ويضطلع مركز تسوية المنازعات التجارية في غرفة تجارة وصناعة البحرين بدور مميز، حيث يقدم المركز خدمات احترافية ومتخصصة تسهم في تسوية المنازعات بكفاءة، وتتيح لشركات القطاع الخاص فرصة قوية لتسريع حل خلافاتهم بطرق مرنة وفعّالة، كما يعمل المركز على توفير بيئة محايدة تسهم في تعزيز التعاون بين الأطراف المتنازعة، مما يعزز من استقرار بيئة الأعمال في المملكة، ويسهم كذلك في تقليص الوقت والتكاليف المرتبطة بالتقاضي، مما يفتح المجال أمام الشركات لتحقيق نمو مستدام وتطوير علاقات تجارية مثمرة.

* وسيط معتمد لدى مركز تسوية - المنازعات التجارية بغرفة تجارة وصناعة البحرين