شكلت استضافة دولة الكويت لمؤتمر القمة الأول لحوار التعاون الآسيوي خلال الفترة من 15 - 17 أكتوبر الجاري نقلة تاريخية مهمة في إطار التعاون بين دول القارة الآسيوية لعدة أسباب وظروف أساسية.فالتعاون الآسيوي بدأ على نطاق جماعي منذ نحو عقد من الزمن عندما قدمت مملكة تايلند بمبادرة دولية مهمة تتمثل في ضرورة زيادة التنسيق والتعاون بين الدول الآسيوية بما يخدم مصالح شعوب ودول هذه القارة الأكبر على مستوى قارات العالم من حيث عوامل الجغرافيا وعدد السكان والتنوع الثقافي والاجتماعي وكذلك الموارد الطبيعية. كان الهدف الأساس من مبادرة التعاون الآسيوي هو تعزيز العلاقات البينية بين دول القارة بما يساهم في استثمار الموارد بين هذه الدول، وتنسيق المواقف السياسية، وزيادة أوجه التعاون في مختلف المجالات. وعندما أطلقت هذه المبادرة بدأ التعاون على مستويات رسمية بين حكومات الدول من خلال الاجتماعات الوزارية التي تقام دورياً بشكل شبه سنوي، ولكن إلى قبل قمة الكويت التاريخية لم تُنظم قمة تجمع ملوك وأمراء ورؤساء الدول الآسيوية، ولذلك جاءت القمة الأولى في الكويت لتعزز الهدف الذي أطلق قبل عشرة أعوام، بحيث تكون هناك قمة دورية تجمع قادة دول آسيا وتطرح قضايا القارة كافة وتتخذ فيها قرارات جماعية تساهم في وضع أطر عامة للتعاون بين دول القارة.ونظراً لارتباط القارة الآسيوية ببقية القارات وتتفاعل معها على مستوى العلاقات الدولية، وعلى مستوى المنظمات الإقليمية والدولية، فإن الظروف التي يشهدها العالم خلال الوقت الراهن تحتم مزيداً من التقارب بين دول هذه القارة بسبب وجود العديد من السمات والقواسم المشتركة التي تدفع نحو مزيد من آفاق التعاون الآسيوي. وتدرك مملكة البحرين، جيداً أهمية قمة حوار التعاون الآسيوي، خصوصاً وأنها تتقاطع مع اهتمامات السياسة الخارجية البحرينية نظراً للارتباط الجغرافي الذي تتفاعل معه في المنطقة. ولذلك حرصت على المشاركة في القمة بوفد رفيع المستوى برئاسة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، ويضم كبار المسؤولين في المملكة. واللافت في هذه المشاركة أنها تتقاطع مع توجه المملكة واهتمام سياستها الخارجية بتعزيز العلاقات مع بلدان القارة الآسيوية، وهو ما دفع المملكة إلى تقديم عرض باستضافة الاجتماع الوزاري لحوار التعاون الآسيوي الثاني عشر في المنامة، الأمر الذي حظي بترحيب واسع من الدول المشاركة في القمة.فمشاركة العاهل في القمة الآسيوية بالكويت، تأتي بعد سلسلة زياراته المهمة لليابان وتايلند وهونغ كونغ، وزيارات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين إلى عدد من البلدان الآسيوية، وهو ما أكسب المشاركة البحرينية في هذه القمة أهمية خاصة من حيث اهتمامها بتعزيز التعاون مع دول القارة.القمة انتهت من حيث جدول أعمالها، ولكنها مستمرة من حيث النتائج التي ترتبت عليها، حيث اتفقت الدول المشاركة على أهمية مواصلة الحوار، وضرورة تبني برامج التعاون المختلفة. ومن أهم النتائج الاتفاق الآسيوي على تقديم الدعم للدول الآسيوية عند تعرضها للأزمات الاقتصادية، بحيث يكون هناك دعم للدول المتضررة على المستويات الإنسانية والمالية والتكنولوجية. ومثل هذا الاتفاق يقدم نطاقاً واسعاً من التعاون على صعيد الأزمات، بحيث تقام مراكز للإنذار المبكر تشرف على التعاون في هذا المجال.كما خلصت القمة إلى تحديد مجالات التعاون التي ينبغي التركيز عليها بين الدول الآسيوية خلال الفترة المقبلة، وتشمل: الاقتصاد والمال والطاقة والبيئة والصحة والأمن الغذائي. اللافت من هذه المجالات أنها ابتعدت عن التعاون السياسي والأمني والعسكري انطلاقاً من قناعة آسيوية مشتركة بضرورة التعاون في هذه المجالات لأنها الضمانة الأساس للأمن بمفهومه الشامل الذي يتجاوز الأطر الأمنية والعسكرية التقليدية.واتفقت الدول الآسيوية أيضاً على القيم والمبادئ التي ينبغي الحفاظ عليها في التعاون بين دول القارة، وهي مبادئ عامة مشتركة تحافظ على خصوصية المجتمعات الآسيوية، وتنوعها الثقافي الغني، وتشمل هذه القيم:« التفكير الإيجابي، والصبغة غير الرسمية، والطوعية، وعدم وجود الصبغة المؤسساتية، والانفتاح، واحترام التنوع، ومستوى مساندة الدول الأعضاء، والطبيعة المتطورة لحوار التعاون الآسيوي، والعمل الإيجابي، ومساهمة الدول في تبني برامج التعاون المختلفة”.عشر قيم ومبادئ اتفقت عليها الدول الآسيوية في قمة الكويت، وهي تركز على أن التعاون الآسيوي ينبغي أن يكون مرناً وشاملاً، والأهم أن يكون قائماً على أسس متوافق عليها بدلاً من تحديد أطر وبرامج ومشاريع للتعاون وتواجه تناقضاً أو عوائق أثناء التنفيذ، فالمبادئ والقيم أسس مهمة يجب الالتزام بها بعد الاتفاق عليها، ويمكن من خلال تحقيق المزيد من الإنجازات، وزيادة مستوى التعاون القاري.قمة حوار التعاون الآسيوي الثانية ستكون بعد ثلاثة أعوام من الآن، وستستضيفها العاصمة التايلندية بانكوك خلال العام 2015 التي انطلقت منها المبادرة الأولى قبل عشرة أعوام، وخلالها سيتم تقييم التعاون الآسيوي المشترك في المجالات التي حُدِدت في قمة الكويت، خصوصا وأن المجالات المتفق على التعاون فيها تتميّز بوجود تعاون قائم بشكل ثنائي أو شبه جماعي بين الدول الآسيوية، وهي بلا شك ظروف مهمة من شأنها أن تدفع نحو مزيد من الإنجاز بين دول القارة.معهد البحرين للتنمية السياسية
الثقافة السياسية.. البحرين وحوار التعاون الآسيوي
21 أكتوبر 2012