في تاريخ الأمم، هناك لحظات فارقة تشكل نقاط تحول كبرى في مسيرتها. وفي الرابع عشر من فبراير 2001، شهدت البحرين لحظة تاريخية أضاءت صفحة جديدة من تاريخها بإقرار ميثاق العمل الوطني، الذي صاغه أبناء البحرين بإرادتهم الحرّة وأقره حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، برؤية حكيمة وقيادة استثنائية.ولم يكن الميثاق مجرد وثيقة سياسية، بل مشروعاً وطنياً متكاملاً أعاد صياغة نهضة الوطن ومسيرته التنموية، وفتح آفاقاً جديدة لبناء دولة قائمة على العدالة والمساواة والمشاركة في بناء الوطن.وعلى إثره، انطلقت مرحلة غير مسبوقة من الإصلاح والتنمية، حيث وضع أسس دولة حديثة ترتكز على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، مما عزز مكانة البحرين كواحة للتسامح والتعايش. كانت هذه الخطوة رؤية بعيدة المدى من جلالة الملك المعظّم، لم تقتصر على تلبية تطلعات الشعب، بل جاءت استشرافاً لعالم متغير، جعل البحرين نموذجاً متجدداً يوازن بين القيم الأصيلة ومتطلبات العصر الحديث.واليوم، تشهد البحرين إنجازات متعددة في المحافل الإقليمية والدولية، وهي انعكاس مباشر لروح الميثاق وأهدافه، فرئاسة البحرين للقمة العربية الثالثة والثلاثين عززت قيم التعاون العربي المشترك التي تنتهجها المملكة، وأكدت دورها الفاعل في تعزيز العمل الجماعي لصالح الأمة. واليوم يُشار بالبنان إلى البحرين كنموذج يحتذى به في التعايش بين مختلف الثقافات والأديان، بفضل المبادرات التي أطلقها جلالته لتعزيز الحوار والسلام العالمي، مما جعل من هذا الوطن منارةً للخير والتسامح في المنطقة والعالم.إلى جانب الرؤية الحكيمة لجلالة الملك المعظم، كان لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، دور محوري في ترجمة أهداف الميثاق إلى واقع ملموس. فقاد سموه فريق البحرين بروح العمل الجماعي والتفاني، مساهماً في تعزيز أسس النهضة الشاملة التي أرساها الميثاق. وتجلت جهوده في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتقديم نماذج إدارية متميزة، أبرزها إدارة البحرين الناجحة لجائحة كورونا، التي أصبحت مثالاً يحتذى به في التخطيط والإدارة على المستوى العالمي.الميثاق، الذي حاز تأييداً جامعاً بنسبة 98.4%، كان بدايةً لعهد جديد من الوحدة الوطنية والعمل المشترك. تحت قيادة جلالة الملك المعظم، ومع جهود سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، تحولت البحرين إلى نموذج ملهم في التنمية والاستقرار. وتقف اليوم إنجازاتها شاهداً حياً على إرادة القيادة الحكيمة وثقة الشعب المتلاحم في مستقبل وطنهم.في ذكرى ميثاق العمل الوطني، نستحضر محطة مضيئة في تاريخ البحرين تجسد روح العطاء والعمل المشترك. هذه الوثيقة الوطنية الجامعة ليست مجرد ذكرى نحتفل بها، بل هي نبض مستمر في وجدان كل بحريني، ودليل على إرادة شعب وقيادة قادرة على تحقيق المستحيل. إنها عهد دائم يجمع بين قيم التسامح والتجدد، ويسير بالبحرين بثبات نحو مستقبل يرتقي بعراقة تاريخها وإشراق حاضرها.

عبدالله إلهامي