كنت ومازلت مؤمناً بأن «أصحاب الشغف» هم من يصنعون الفارق دائماً. بل هم القادرون على إيجاد «عالم آخر» يجعل البشر ينبهرون ويقفون احتراماً أمام «إبداع» هذه العقول الخطيرة، عقول يقودها شغفها بلا حدود.وما أجمل الشغف حينما يكون هدفه البحرين، حينما تكون رسالته سامية، تسعى لخدمة أهل هذه الأرض الطيبة، بل كل من يطأ أرض البحرين، مقيماً أو زائراً أو سائحاً. شغف عنوانه بأن «بحرين الخلود» هي مازالت وستظل «وريثة دلمون» وأرض الحضارات.الفن في أرقى صوره، والإبداع في أبهى تجلياته، والثقافة حينما تتحدث بالألوان والخطوط. هي لهجات متعدّدة تجتمع معاً في «لغة واحدة»، ابتكرها مبدعون في البحرين، يقود ثورتها كما أسلفت، أصحاب عقول خطيرة، يقف الإبداع أمامها محتاراً، إذ كيف تأتى لهم أن يصنعوا هذا العالم الجميل المتفرّد؟!لدينا في البحرين قامات كبيرة تعمل بـ«شغف»، ويتوازى شغفها هذا بـ»عشق الوطن» والعمل لأجله، لا لأجل ذواتهم. لدينا «أهرامات» في رقيها وفنها وإبداعها، وأحد هذه القامات رجل وصل بإبداعه ذات يوم لأن يضع «أهرامات بحرينية ذهبية» أمام أهرامات الجيزة. رجل أخذ على عاتقه عهداً، بأن يكون سنداً لفناني البحرين ومبدعيها، يأخذ بيدهم ويساعدهم ويعمل معهم كونه واحداً منهم. رجل نجح دوماً في أن يكون منارة إشعاع فني ثقافي تنويري، إضافة لكونه رمزاً إنسانياً للتواضع والأخلاق وفنّ القيادة والإدارة الرفيعة.معالي الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة، الرجل الذي يعرّف نفسه دوماً، بأنه مواطن بحريني عاشق للفن، وشخص حلمه أن تُنير الثقافة جميع العقول، وأن يكون الفنّ الراقي والإبداع المتفرّد مثل الهواء النقي الذي يستنشقه الجميع. الرجل الذي حينما عيّنه جلالة ملكنا المعظم حفظه الله ورعاه رئيساً للمجلس الوطني للفنون، قلت يومها «نعم»، هذا هو الرجل المناسب في المكان المناسب، وبالفعل ملكنا الحكيم يعرف تماماً أين يكون موقع المبدع ليعمل ويكون كشجرة وارفة تُظِلُ المبدعين.الشيخ راشد مع كوكبة من العقول الخطيرة، مبدعين وفنانين ومثقفين من الجنسين، صنعوا اليوم «جزيرة خيالية» بداخل «جزيرة تاريخية». هي جزيرة للفنون والثقافة أسموها بـ«المحطة الفنية»، وكانت أرض المحرق العريقة، العاصمة القديمة، وأرض الجمال والإبداع هي التي على الموعد، موعد مع الزمان والمكان والإبداع.جولة رائعة قادنا فيها هذا «الهرم البحريني» مع فريقه المتميّز من المبدعين، داخل واحدة من أجمل وأرقى المنشآت التنويرية في البحرين، محطة تكتظ بذبذبات تحرّك العقول وتُبهر العيون، وتدفعك للعيش والانغماس مع كل فنان ومبدع أخذ يعرض لنا ما يقدّمه من إبداعات عبر ورشته الفنية التي وفّرتها له المحطة، لا ليعمل وينتج ويبدع ويبتكر فقط، بل لتكون كل ورشة مصدراً للإلهام والتعليم، مصدراً لنشر هذا «النور الفني والثقافي» لكل أبناء الوطن ومن يقطن فيه.وكم هي فكرة ذكية خطيرة، إذ ما أحوجنا اليوم للعودة لما كنّا عليه في العقود والقرون الماضية، شعب يعيش على الثقافة، شعب يبحث عن الإبداع، شعب يصنع الفن الراقي وينشر إشعاعه الإيجابي في أوساط الجميع.هناك فنّ يُعجبك وتصفّق له، لكن ما رأيناه هو فنّ من نوع آخر، رأينا إبداعاً ذكياً، يحرّكه «شغف» غير عادي. رأينا شباباً وشابات، ومبدعين يتحدثون عن خدمة المجتمع فيما يقومون به، لا يتحدثون عن شهرة أو مكاسب أو أرباح، بل يتحدثون عن رسالة سامية، خدمة الناس ومنحهم الفرصة ليقتحموا عالماً جميلاً «لغته الفن والثقافة، وأكسجينه الإبداع». رأينا فنّاً يجعلك تتجمّد في مكانك انبهاراً.هذه «المحطة الفنية»، لكم أن تعتبروها «محطة فضائية» لكنها على الأرض، فضائية بخيالها وجمالها وبروعة كل فرد فيها. وهنا دائماً وأبداً تخونك الكلمات لو أردت وصف الإبداع المتفرّد، والفنّ المُبهر، لذلك هي رسالة أوجّهها للجميع، اذهبوا للمحرق العريقة، ادخلوا هذه المحطة الفنية، خذوا أبناءكم خدوا أصدقائكم وزواركم، وتعرّفوا على عالم ذي بُعد آخر، واكتشفوا ما يمكنكم أن تعيشوه من تجارب وفرص للتحوّل إلى مبدعين أو أصحاب روح يلهمها الإبداع، وذلك من خلال عقول خطيرة وفنانين يمدّون يدهم للجميع، هدفهم أن تزداد البحرين جمالاً بأُناس يصنعون من الفن والثقافة قصصاً أسطورية تصبح خالدة، مثلما ظلت «ملحمة جلجامش» و«رائعة دلمون» ساكنةً في عقولنا قبل تاريخنا للأبد.أيها المُلهم راشد بن خليفة وزملاؤه المبدعون، أنتم من عالم آخر، شكراً لكم على «تنوير» عقولنا بإبداعكم، والأهم بـ«شغفكم».
alshaikh.faisal@gmail.com
Opinion
«المحطة الفنية».. عقول خطيرة في البحرين!
19 فبراير 2025