يتزايد استغراب الرأي العام البحريني بشأن النشاط المكثف للسفير الأمريكي بالمنامة توماس جراكيسكي، حيث تكشف مصادر وفاقية استمرار الاجتماعات الدورية المنتظمة بين سفير البيت الأبيض والأمانة العامة للوفاق، وهي اجتماعات مازالت أجندتها غير معروفة ويلفها الغموض أكثر. السفير جراكيسكي يبدي حماسه منقطع النظير لأجندة الوفاق ومطالباتها السياسية، ولذلك يلاحظ المسؤولون في الحكومة أن السفير يحرص على دعم مطالب الوفاق خلال لقاءاته معهم، حيث يدعم مطلب ما يسمى بـ (الحكومة المنتخبة)، ويدعم استمرار (الاعتصامات والمسيرات) في العاصمة رغم علمه جيداً بأن معظم المسيرات المرخصة للوفاق تنتهي بأعمال عنف وإرهاب ومواجهات مع رجال الأمن. كما إن هذا المطلب -الذي يعد مطلباً وفاقياً- يختلف تماماً مع ما توافق عليه حوار التوافق الوطني من ضرورة منع إقامة المسيرات في العاصمة. الأمر الذي يثير تساؤلات تتعلق بما إذا كانت تحركات ومواقف السفير تمثل فعلاً مواقف وزارة الخارجية الأمريكية؟ومن أهم القضايا التي تثار حول السفير الأمريكي دوره السياسي الهام في هندسة النظام السياسي العراقي بشكله الحالي الذي ساهم في إبراز قوى الإسلام السياسي الشيعي على بقية القوى الوطنية العراقية، وهو نظام أتاح مجالاً واسعاً لطهران للتحكم والتأثير في العملية السياسية هناك. ويتسم الموقف الشعبي حالياً تجاه سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في المنامة بالتحفظ، وإن جاهرت بعض القوى السياسية بـ (عدائها وكرهها) للسفارة. وهذا الموقف ظهر نتيجة المواقف الأمريكية المتتالية التي أبداها سفير واشنطن عقب تعيينه في وقت لاحق من العام 2011، وذلك بعد الأحداث الهامة التي شهدتها البلاد مطلع العام نفسه. الرأي العام البحريني في أشد مواقفه تجاه السياسة الأمريكية ودور السفير الأمريكي في المنامة، ويؤمن بأن السفارة لديها ارتباطات واسعة مع الجماعات الراديكالية التي تعمل على تنفيذ العمليات الإرهابية في مناطق البلاد. كما يؤمن الرأي العام نفسه بأن هناك علاقات مشبوهة بين الطرفين بسبب وجود أجندة مشتركة. ثمة رأي يفسر سبب اهتمام السفير الأمريكي بإقامة صلات وثيقة مع جماعات راديكالية داخل النظام مثل جمعية الوفاق، ويقوم هذا الرأي على أن واشنطن "مهتمة للغاية” بتحييد الجماهير التي تمثلها الوفاق حماية للمصالح الأمريكية في البحرين، وفي مقدمتها مقر قيادة الأسطول الأمريكي الخامس بالجفير. وهدف هذا التحييد ضمان عدم غضب الجماهير الوفاقية من أي ضربة عسكرية محتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية سواءً كانت من واشنطن أو تل أبيب. ولكن فريق آخر يشكك في قدرة واشنطن على تحييد جماهير الوفاق ضد استهداف مصالح الأولى في البحرين، وسبب ذلك الارتباط الأيديولوجي لجماهير الوفاق مع النظام الإيراني. ويرى أن التحييد لا يعد منطقياً تماماً، ويؤكد وجهة نظره بالهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية لبنان على يد حزب الله قبل عقود. بالمقابل فإن موقف المؤسسة العسكرية الأمريكية يختلف تماماً عن الموقف الذي يمكن أن يمثله السفير الأمريكي باعتباره دبلوماسي واشنطن الأول في البحرين. موقف المؤسسة العسكرية الأمريكية يدعم بشكل كبير استمرار المصالح الاستراتيجية بين المنامة وواشنطن، وهو موقف يتسم بالعقلانية والبراغماتية في التعامل، في ظل التعاطف والانحياز الواضح من قبل سفارة الولايات المتحدة تجاه الجماعات الراديكالية. أعضاء السلطة التشريعية أدركوا جيداً مخاطر العلاقات التي يقيمها السفير الأمريكي توماس جراكيسكي، ولذلك أقروا اقتراحاً برغبة في جلسة استثنائية يوم الخميس الموافق 18 أكتوبر الجاري يدعو الحكومة إلى وقف تدخلات السفير الأمريكي المعتمد لدى البحرين في الشؤون الداخلية، حيث طالبوا بضرورة "وقف لقاءات السفير الأمريكي مع مثيري الفتنة”.