مع حلول شهر رمضان، تتغير إيقاعات الحياة، ويميل الناس إلى البحث عن السكينة والراحة خلال ساعات النهار الطويلة. تزدحم الشوارع في المساء، وتمتلئ المساجد بالمصلين، لكن النهار يبقى وقتاً للهدوء، حيث يحرص الكثيرون على التخفيف من وتيرة أعمالهم، ويختار البعض أن يجعل من هذا الشهر محطة للراحة، فيأخذون إجازاتهم السنوية ليبتعدوا عن ضغوط العمل، ويعيشوا أجواء رمضان بروحانيته وطمأنينته.

لكن وسط هذا الهدوء المنشود، يفاجَأ بعض السكان بأن أجواء رمضان لديهم لا تشبه غيرها، حيث تتحول أحياؤهم إلى ساحات عمل صاخبة، تمتزج فيها أصوات المطارق بضجيج الآلات، منذ ساعات الصباح الباكر وحتى أذان المغرب. إنها ظاهرة البناء في رمضان، التي تتكرر كل عام، فيثير صخبها التساؤلات حول مدى مراعاة البعض لحقوق الجيران وحاجتهم للراحة.

لا شك أن أعمال البناء ضرورة لا غنى عنها، وأن لكل شخص الحق في تحسين منزله أو بناء مسكن جديد. لكن المشكلة ليست في البناء ذاته، بل في اختيار التوقيت الذي قد يكون مزعجاً للبعض. ففي حين يرى أصحاب المشاريع أن رمضان هو فرصة لإنجاز الأعمال مستفيدين من الأيدي العاملة المتاحة خلال النهار، يغفلون أن هناك من يحتاج إلى الراحة، سواء كانوا موظفين يستعدون ليوم عمل جديد، أو كبار سن ومرضى يحتاجون إلى الهدوء، أو حتى أولئك الذين قرروا أن يكون رمضان فترة استراحة بعيداً عن ضغوط العمل، ليجدوا أنفسهم عالقين وسط ضجيج لا يهدأ.

تخيل أن تبدأ نهارك على أصوات آلات الحفر والمناشير الكهربائية، أو أن تحاول أخذ قيلولة العصر فتفاجأ بأن الضوضاء لا تمنحك فرصة للراحة. وعندما يقترب موعد الإفطار، يكون البعض قد استنزف طاقته ليس بسبب الصيام فقط، بل أيضاً بسبب معركة غير متكافئة مع الأصوات التي لم تهدأ طوال اليوم.

صحيح أن كل شخص له الحق في البناء والتطوير، لكن من حق الجيران أيضاً أن ينعموا بشيء من السكينة، خاصة في شهر يتفرغ فيه الكثيرون للعبادة والاسترخاء. الحل لا يكمن في المنع المطلق، ولا في الإزعاج المستمر، بل في إيجاد نقطة توازن، مثل تحديد أوقات مناسبة للعمل، أو تأجيل بعض الأعمال ذات الضوضاء العالية إلى ما بعد رمضان، خاصة وأن هذا الشهر لا يتكرر سوى مرة واحدة في السنة.

وبصراحة.. إن حسن الجوار لا يُقاس فقط بكلمات المجاملة عند اللقاء، بل بالقدرة على مراعاة الآخرين واحترام احتياجاتهم. فكما أن رمضان شهر للعبادة والتأمل، فهو أيضاً شهر للرحمة والتراحم، وأبسط صور ذلك أن نمنح بعضنا البعض فرصة الاستمتاع بسكينته بعيدًا عن ضجيج المطارق والمناشير. فهل يكون الامتناع عن البناء الصاخب نوعاً من الصيام عن الإزعاج؟ ربما يكون ذلك هو أقصر الطرق للحفاظ على روح رمضان الحقيقية.